للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائلٌ: إذا كان اسماً مضمَراً فكيف جاز إضافتُهُ في قولهم: إيَّاكَ وإيَّاهُ ونحوِ هذا، والمضمَرُ لا يُضافُ لأنَّ الإضافة للتخصيص، والمضمَرُ أشدُّ المعارف تخصيصاً؟

فالقولُ: إنَّ النُّظَّارَ في العربيَّة اختلفوا في ذلك (١) ؛ فحَكَى أبو بكر محمَّدُ بنُ السَّرِيِّ السَّرَّاج، عن أبي العبَّاس محمَّدِ بنِ يزيدَ أنَّ الخليل (٢) يذهب إلى أنَّ ((إيَّا)) مضمَرٌ مضافٌ. وحُكِيَ عن المازنيِّ مثلُ هذا القول المحكيِّ عن الخليل في أنه اسمٌ مضمَرٌ مضافٌ.

وحَكَى أبو بكرٍ عن أبي العبَّاس (٣) عن أبي الحسن الأخفشِ، وأبو إسحاقَ عن أبي العبَّاس غيرَ منسوبٍ إلى الأخفش أنَّه اسمٌ مفرَدٌ (٤) مضمَرٌ، يتغيَّرُ آخِرُهُ كما يتغيَّرُ أواخِرُ سائر المضمَرات لاختلاف أعداد المضمَرين وأنَّ الكافَ في ((إيَّاكَ)) كالتي في ((ذلك)) في أنَّه دلالةٌ على الخِطاب فقط مجرَّدةً من كونها علامةً للمضمَر.

ولا يجيزُ أبو الحسن فيما حُكِيَ عنه: إيَّاكَ وإيَّا زيدٍ، وإيَّايَ وإيَّا الباطلِ، فقال قائلٌ مُنْكِراً عليه قولَه ورَادّاً: إنَّ الكافَ التي في ((إيَّاكَ)) ليست كالَّتي في ((ذلك)) ؛ لأنَّ ((إِيَّا)) قد تُضافُ إلى الهاء فيقالُ: إيَّاهُ وإيَّاهما، وتُضافُ إلى المتكلِّم أيضاً في ((إيَّايَ)) ونحوِهِ، فاعتقابُ هذه الأوصافِ (٥) عليه يدلُّ أنَّه ليس بمنزلة الكاف في ((ذلك)) وأنَّه ضميرٌ.

والجوابُ: أن لأبي الحسن أنْ يستَدِلَّ بترْكِهِم تأكيدَ هذا المضمَرِ في ((إيَّاكَ)) وقلَّةِ إضافتِهِم له إلى المظهَرِ أنَّ سائرَ علاماتِ الضَّمير في ((إيَّا)) سوى الكاف حروفٌ غيرُ أسماءٍ. ألا تَرَى أنَّه لم يُسْمَعْ: إيَّاكُم كُلِّكُم، وإيَّاكَ نفْسِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>