ومن نافلة القول أن نقول:((إن لغة القرآن أفصح أساليب العربية على الإطلاق)) (٤١) . كما قال أسلافنا الأوائل من قبل، وكما يشهد به الواقع الماثل لكل ذي بصر وبصيرة، وكما شهد به كثير من المستشرقين المنصفين - ((والفضل ما شهدت به الأعداء)) - ولولا خشية الإطالة لذكرت من ذلك الكثير والكثير، ولكن المقام هنا لا يسمح بأكثر من ذلك، ((وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق)) .
ولو سلمنا بأن هذا الحذف من باب الضرورة الشعرية.. لَلزم علينا أن نسلّم بأن القرآن فيه ضرورة شعرية ... وذلك محال كما هو معلوم بالضرورة لكل مسلم، بل ولكل منصف من غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على السواء، وحسبنا ما جاء في محكم التنزيل حيث يقول:{وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن
مبين} (٤٢) .
ذلك هو المزلق الخطير الذي يدخل منه كل من يريد الطعن في القرآن الكريم، وأنَّى لهم ذلك والمسلمون الصادقون لهم بالمرصاد في كل زمان ومكان، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(٤٣) من هذا المنطلق - منطلق الدفاع عن القرآن الكريم - قام هذا البحث بالدفاع المستميت عن حوزة الدين وكتابه المبين، ذلك الكتاب الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}(٤٤) .
وقصارى القول أن ظاهرة الحذف من هذا المنقوص بالذات إنما هي وليدة ((التخفيف)) لا غير سواء أكان ذلك في القرآن الكريم أم في الشعر العربي الأصيل - ولست أزعم أن التعليل بالتخفيف في القرآن هو من بنات أفكاري ... كلا إنّه تعليل قديم قدم كتب التفسير لهذه الآيات الكريمة، ومن أراد التأكد من ذلك فلْيرجع إلى أمهات كتب التفسير (٤٥) - وما أكثرها - وهي قريبة المنال لكل من يريد كأنها ((الثُّمام)) على قارعة الطريق، والله ولي التوفيق.