من تلك الكلمات التي وردتْ جمع تكسير كلمة (الجوابِ) جمع (جابية) في قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدورٍ راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور}(٣٩) ، ومثلها تماماً من حيث الجمع كلمة (الجوارِ) جمع (جارية) في قوله تعالى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام}(٤٠) . تلك هي المواضع التي استطعت الحصول عليها ... وقد بلغتْ زهاء عشرة مواضع، وبالتحديد هي تسعة فيما أحصيت حتى الآن، وربما كان هناك شيء فاتَنِي في أثناء الحصر والاستقصاء - وجلّ من لا يسهو -.
ولعلك توافقني بأن هذا العدد كافٍ جداً في إثبات القضية التي نحن بصددها، وهي أن ظاهرة حذف الياء من المنقوص ليستْ مقصورة على الشعر فقط، وإنّما هي موجودة في النثر كذلك وفي أعلى نص في الوجود وهو القرآن الكريم، وما دام الأمر كذلك فإن جَعْلها من الضرورات الشعرية غير صحيح ولا مستقيم.
على أن إثبات هذه القضية يكفي فيه وجود آية واحدة فقط فما بالك بهذا الكم الوفير! ويعجبني في هذا المقام ما جاء في المبدأ الإسلامي الخالد، ذلك الذي يقول:
((آية واحدة من القرآن الكريم أوثق من كلام البشر أجمعين))
بقي علينا أن نعرف العلة في هذا الحذف ما دمنا قد رفضنا العلة التي جاء بها شيخنا العظيم سيبويه إمام النحويين أجمعين بلا جدال ولا مراء.
ولهذا نقول - وبالله التوفيق - إن العلة في هذا الحذف بالذات هي ((الخفة)) أو ((التخفيف)) كما يقولون - وكلاهما سواء - وعلة التخفيف واردة في اللسان العربي المبين، لأن اللغة العربية ((لغة اقتصادٍ في الجهد العضلي)) كما يقول علماء اللغة قديماً وحديثاً على سواء، والدليل القاطع على أن الحذف هنا للتخفيف وليس للضرورة الشعرية مجيء هذا الحذف في النثر الصحيح، وأكثر من هذا أنه ورد في القرآن الكريم في مواطن متعددة كما رأينا فيما أسلفنا منذ قليل.