للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنتُ أظن أنني أول من تنبّه لهذا المأخذ ضد شيخنا وشيخ النحاة أجمعين سيبويه العبقري العظيم ... وكنت أيام الشباب سعيداً بهذا السبق إلى حد كبير ... وظللتُ حيناً من الدهر أرْصُدُ هذه القضية بدقةٍ واعية، وألحظها بعينٍ لا تغفل وأرقُبها بعقل متيقّظٍ متوهّج دَءُوب.... إلى أن جاءت المفاجأة السارة بالعثور على نص صريح في شرح السيرافي للكتاب، يذكر فيه أن قوماً كثيرين أنكروا هذه الفكرة التي تقول: إن حذف الياء من المنقوص المقرون بالألف واللام هو من الضرورة الشعرية، ولكن هذا الإنكار جاء خالياً من كل تفصيل أو تحليل، واكتفى بذكره موجزاً غاية الإيجاز وإليك النص بحذافيره كما جاء في شرح السيرافي حيث قال: ((وأما حذف الياء مع الألف واللام فإنّ سيبويه ذكره في باب ضرورة الشاعر، فأنكره كثير من الناس وقالوا: قد جاء في القرآن بحذف الياء في غير رءوس الآي، وقرأ به عِدّةٌ من القراء كقوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} (٥٢) . وفي آيٍ غيرها وما جاء مثله في القرآن وقرأتْ به القُراء لم يدخل مثلُه في ضرورة الشعر)) (٥٣) .

ومهما يكن من أمر فإن فرحة السبق قد ضاعت مني ولكنني مع ذلك جِدّ سعيد حيث وجدتُ من العلماء الأجلاء من يؤيدني في هذا الإنكار، ولم أكن بدعاً ولا وحيداً في هذه القضية، ومن هذا المنطلق أحسستُ بالسعادة الغامرة، ولست أدري بأيّ الأمرين أنا أسعد: بالسبق أم بالتأييد؟ هما أمران كلاهما حلو المذاق عند من ينشد الحق والحقيقة أيّاً كانت وكيفما كانت، وحيثما تكون - فالمهم عندي هو صحة الفكرة من حيث هي فكرة، ولا يعنيني بعد ذلك إن كنت من السابقين أو من اللاحقين!

<<  <  ج: ص:  >  >>