وهم بذلك لم يفرقوا بين القضاء الشرعي والكوني، ولا بين الإرادة والمحبة والرضا، ولا بين المأمور والمحظور، ولا بين أولياء الله وأعدائه.
ويسمون هذه الدرجة رضى الخواص (١) .
{الدرجة الثالثة: الرضا برضى الله، فلايرضى العبد لنفسه سخطاً، ولا رضى، فيبعثه على ترك التحكم، وحسم الاختيار، وإسقاط التمييز، ولو أدخل النَّار}(٢) .
وهذه الدرجة هي التي عبر عنها الداراني فيما روي عنه في تعريف الرضا {الرضا أن لايسأل الله الجَنَّة ولايستعيذ به من النار}(٣) .
وقال بعضهم:{لقد أوتيت من الرضا نصيباً لو ألقاني في النَّار لكنت بذلك راضياً}(٤) .
وقال الآخر:
وليس لي في سواك حظ ... ... فكيما شئت فاختبرني (٥)
ويسمون هذه الدرجة: رضى خواص الخواص به بدلاً من كل ما سواه (٦) .
وإليك بعض الردود عليهم باختصار:
١ - أن الدرجة الأولى أعلى شأناً وأرفع قدراً، فإنها مختصة بعباد الله الصالحين، الذين يرضون بربوبية الله، ولايعبدون إلاَّ إياه، ويرضون بذلك، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، كما في الحديث:{ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً} .
ومن أقوال بعض الصوفية الحسنة في هذا:{من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه}(٧) ، فالتزام ما جعل الله رضاه فيه من امتثال أمره واجتناب نهيه - ويتناول المباح من غير تعد إلى المحظور - هذا هو الرضا بالله رباً، كما سبق، وهذه هي درجة الصديقين.
أمَّا الثانية فهي مشتركة بين المؤمنين وغيرهم؛ لأنها الرضا بالقضاء، والرضا بالقضاء يصح من المؤمن وغيره؛ لأن غايته التسليم لقضاء الله وقدره، وقد يحصل من الكافر لا لله، ولكن مجرد رضى بالقضاء، وتسليماً بالقدر، {فأين هذا من الرضى به رباً، وإلهاً، ومعبوداً؟}(٨) .