وإن مما يفقد العمل الصالح جماله ورونقه، ضعف ما في القلب من الإيمان الذي بقوته وصلاحه تصلح الأعمال. قال (:
(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) (١) . فكما أن في الجسد مضغة يتوقف صلاحه على صلاحها، فكذلك يكون للدين لب، إذا صلح صلح الدين كله، وإذا فسد فسد الدين كله، وإن مما يزيل الإيمان من القلوب أو يضعفه النفاق والجهل والبدع. فالنفاق يزيل الإيمان والجهل والبدع يضعفان الإيمان في القلوب والعمل في الجوارح. ولما كان من البدع الشنيعة نفي أسماء الله تعالى وصفاته، أو تأويلها بدعوى التنزيه مما أدى إلى تعطيله عز وجل عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك تشبيه ربنا تبارك وتعالى بخلقه من قبل المشبهة بدعوى الإثبات. وكان منشأ ذلك إما غلوا في التنزيه المؤدي إلى التعطيل، أو غلوا في الإثبات الذي يؤدي إلى التمثيل، قمت بدراسة هذا الانحراف وسببه فوجدت أن كثيرا من هؤلاء أتوا من جهة اعتبارهم أن دلالة اللغة على صفات المخلوقات في عالم الشهادة هي الأصل، وأن استعمالها في عالم الغيب، أو غيب الغيوب هو الخروج عن الأصل، فلا بد إذن من قياس الغائب المجهول على الشاهد المعلوم، فرأت المشبهة أن هذا هو الذي ينبغي أن يسار إليه ويقال به، فشبهت الله تعالى بخلقه، وشبهت عالم الغيب بعالم الشهادة سواء بسواء. وأما المعطلة فقد سلكوا مسلك المشبهة أولاً فاستقبحوا ذلك ففروا من التشبيه إلى التعطيل. أي أنهم ما عطلوا إلا بعدما شبهوا. ولما رأوا أن التشبيه لا يليق بالله تعالى عدلوا إلى التعطيل والله المستعان.