وكلا الفريقين أصبحا بعد ذلك في اتجاهين متعارضين بعد أن أخذوا جزءاً من الحق وهو الإثبات عند الممثلة وأضاف إليه باطل التمثيل، والتنزيه عند المعطلة بعد أن أخذوا جزء من الحق وهو التنزيه، فتجاوزوا حد التنزيه حتى نفوا ما أثبته الله تعالى لنفسه أو نفاه عنه رسوله مما لا يليق به تعالى. ولو أن كلا من الفريقين لم يتطرفا فيما ذهبا إليه لكان ما تفرق بينهما من الحق قد اجتمع. فهدى الله تعالى أهل الحق لما اختلف فيه الفريقان فجمعوا ما تفرق من الحق، فصح لهم ما لم يصح لغيرهم.
وهذا ما قصدت إيضاحه في هذه المباحث، وقد بذلت جهدي مستعينا بالله تعالى في إبراز جوانب متفرقة من أمور الغيب بأنواعها وأقسامها، وحظ الإنسان من العلم بها، ووسائله التي يستعين بها على علم ما غاب عنه وخفي عليه مما يقر شرع الله تعالى استخدامها، أو التصديق بنتائجها والعمل بها.
والله تعالى أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم. ورحم الله تعالى من نظر في هذا البحث بعين النصح والتهذيب والتصويب، فأوقفني على ما ظهر فيه من العيب والتقصير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته البررة الصادقين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره، واتبع هديه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
• • •
المبحث الأول: مكانة الإيمان بالغيب في الإسلام
إن للإسلام جانبين رئيسين لا يغني أحدهما عن الآخر، ولا يكون المرء مسلماً إلا بهما، وهما: