والمؤمن بالغيب موقن بأنه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد ((١) وبأن حركاته وسكناته، وما يدور بخلده وما توسوس به نفسه، أو يختلج في صدره، خاضع لمراقبة الله تعالى:(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ((٢) . (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ((٣) ، (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ((٤) ، (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ((٥) ، (فلا يحزنك قولهم إنَّا نعلم ما يسرون وما يعلنون ((٦) ، (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله بكل شيء عليم ((٧) . (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ((٨) . (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً ((٩) وهو سبحانه يعلم خبايا النفوس وخفاياها: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ((١٠)(وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ((١١) ، ولا يدرك حقيقة علمه المحيط الشامل لكل شيء زماناً ومكاناً إلا من آمن بالغيب إيماناً صادقاً جازماً، ولهذا كانت قرة عين رسول الله (، أي أن راحة نفسه، وسكينة قلبه، وطمأنينته، في ذكر ربه الكريم. وهو يستيقن أنه أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. والمؤمن بالغيب يكون الله تعالى، ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض من أجل لله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منع منع من أجل الله، وهو في سرائه شكور، وفي ضرائه صبور. والمؤمن بالغيب يعلم علم يقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويعلم أن الحذر لا ينجي من القدر، وأن الله تعالى قدر كل شيء في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنه تعالى يضع الموازين القسط ليوم القيامة، وأنه لا يظلم أحدا من خلقه ولا يبخسه من حقه، ولا تزر وازرةُ وزر أخرى، وأنه أحكم الحاكمين،