للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن القصتين متشابهتان في دلالتهما على صدق الإيمان بالغيب وظهور ثمراته على سلوك المؤمنين في هذه الحياة حتى إن هذا الصحابي ليرى استمراره على الحياة حتى ينتهي من أكل ما في يده من التمرات تأخراً طويلاً عن الوصول إلى جنة الله التي وعد المتقون. فبادر وسارع حتى يدخلها فجاد بنفسه تصديقاً بوعد الله على لسان رسوله (. وهل بعد هذا الجود من جود؟ والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

لقد أدرك عظم ما وعد الله به المؤمنين الصادقين، فهانت لديه الدنيا، فجاد لله الكريم بنفسه راضياً متوثباً إلى نعيم لا ينفد، وعطاءٍ لا يزول ولا يحول، فرضي الله عنه وأرضاه. وما ذلك إلا آثار الإيمان الصادق بالغيب، حتى لكأنه يرى الجنة وسعتها وما فيها من النعيم الخالد رأي العين فاشتاق وانساق إلى لقائها فحقق الله له ما أراد.

٣ – الخنساء (تماضر بنت عمرو بن الشريد رضي الله عنها) يوم القادسية:

هي امرأة اشتهرت في الجاهلية بالبكاء والرثاء والجزع والعويل على قتل أخويها صخر ومعاوية. فكانت لا تكف عن البكاء والرثاء حتى أصبح لا ينافسها أحد من الرجال والنساء في شعر الرثاء. والعبرة هنا ليس في كثرة شعرها في الرثاء ولا في جودته. ولكن العبرة في جزعها وحزنها الشديد وعدم كفها عن البكاء عشرات من السنين، ولم يتوقف بكاؤها ورثاؤها ولم ينقطع، إلا بسيف الإيمان الصادق الذي بتر الله به كل حبلٍ يمت إلى الجاهلية بصلة " كما بين ذلك رسول الله (حين قال لعمرو (١) بن العاص: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله " (٢) فانقلب قلب الخنساء طاهراً نظيفاً يملؤه نور الإيمان بحيث لم يترك أي فراغ في قلبها لأثر من آثار الجاهلية ونزعة من نزعاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>