وبعد أن أرضعتها الجاهلية وغذتها بلبانها العكر، فطمها الإسلام وفرغ قلبها من شوائب الجاهلية وطهره من دنسها ورجسها، وملأه بنور الإيمان، فانتقلت من ظلمات الجهل والكفر والهوان، إلى ضياء القرآن، وطاعة الرحمن. ففي يوم القادسية أرسلت أربعةً من أبنائها الشجعان للجهاد والاستبسال في سبيل الله والفوز بالشهادة، ووصتهم ليلة القادسية قائلةً:
" يابَنيَّ إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد كما إنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ("(١) .
فإن أصبحتم غداً إن شاء لله سالمين؛ فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت (٢) عن ساقها واضطرمت لظى (٣) على سياقها وحللت (٤) ناراً على أوراقها (٥) فتيمموا وطيسها (٦) ، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها (٧) ، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم (٨) . فقاتل أبناؤها فقتلوا رحمهم الله تعالى. فبلغها ذلك فما زادت على أن قالت:" الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته "(٩) .