للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا يتجلى أثر صدق الإيمان بالغيب في قصة هذه المرأة المؤمنة التي تجسدت الجاهلية الجهلاء في بكائها ونياحها دهراً طويلاً حتى كف بصرها قبل إسلامها. لقد كانت كذلك حينما كانت شابة جلدة تقوى على التجلد والصبر، ولكنها بعد الإيمان بالغيب أصبحت خلقاً جديداً، فتحولت تحولاً عجيباً، فإذا بها لا ترى إلا الآخرة وما وعد الله فيها لأهل طاعته فاختارت الباقية لنفسها ولبنيها على الفانية، لا الرغبة في استشهادهم ضعفت ووهنت، ولا الصبر الجميل بعد استشهادهم خانها وفارقها. وما هذا كله إلا أثرٌ من إيمانها بالغيب كأحسن ما يكون الإيمان. فالمرأة في أصل خلقتها ضعيفة الصبر كثيرة الجزع بما جعل الله فيها من الرحمة والحنان والعطف. فإذا أصيبت بمصيبة الموت في أهل بيتها كان جزعها أشد من جزع الرجال، وصبرها أقل من صبرهم. وهذا ما كانت عليه الخنساء في الجاهلية ولم ينافسها في ذلك أحد من النساء أما بعد الإيمان فهي قد ضربت مثلاً أعلى للصبر على ما جرى لبنيها الأربعة من الاستشهاد في سبيل الله تعالى بل إنها وطنت نفسها وأعدتها لهذا المقام، قبل نزول الحمام. وكان هذا أثراً عظيماً من آثار الإيمان بالغيب. ومن أثر هذا الإيمان القوي على بنيها، أن استبسلوا في الجهاد راغبين فيما عند الله راضين بنصيحة أمهم منفذين لأوامرها. فكل واحدٍ منهم، ينشد أبياتاً من الشعر قبل أن يقتحم صفوف الأعداء مشيداً بنصيحة تلك الأم الصالحة، مبدياً رغبته الشديدة فيما عند الله تعالى من الأجر الجزيل والثواب الجليل. فرضي الله عنها وأرضاها ورضي عن أبنائها الشهداء، وسلام عليهم في المؤمنين المخلصين الخالدين.

٤ – مثال من أمثلة التأثر الجماعي بالإيمان بالغيب وأثر ذلك:

<<  <  ج: ص:  >  >>