إن عالم الغيب قد يكون منه ما هو قريب من الإنسان قربا مفرطا، كالروح والملائكة الحفظة وشاهدي حلق الذكر منهم، والكرام الكاتبين، وما يكون بعيدا عن الإنسان بعدا مفرطا كحملة العرش من الملائكة، وسكان السماوات السبع والجنة وما فيها، وما يكون متوسطا بينهما كالجن والشياطين الذين قد يكونون قريبين من الإنسان أو بعيدين عنه. وكل ذلك مما لا سبيل للإنسان إلى العلم به سواء كان في غاية القرب منه كالروح أو في غاية البعد عنه كحملة العرش، أي أن القريب والبعيد في عالم الغيب لا يختلفان في الغيبية لأن الغيبية في عالم الغيب لا تتعلق بالقرب أو البعد، وإنما تتعلق بخلق الله له غير مهيأ لوصول وسائل العلم البشري إليه. ولا يختلف عالم الغيب في غيبيته عن غيب الغيوب الذي يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته، حيث ساوى بينهما الغيبية المطلقة وإن كان غيب الغيوب ذروتها وقمتها لتعلقه بما لربنا تبارك وتعالى.
وعالم الغيب منه ما هو متحرك متنقل كالملائكة والجن والشياطين، ومنه ما هو ثابت وغير متنقل كالجنة وما فيها، والنار وما فيها، ومنه ما لا يعلم حاله. وأما المتنقل المتحرك فمنه ما لا يتنقل ولا يتحرك إلا بأمر الله تعالى وهم الملائكة الذين وصفهم الله تعالى بقوله:(ويفعلون ما يؤمرون (١)(٢) وقوله: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ((٣) وقوله حكاية عنهم: (وما نتنزل إلا بأمر ربك ((٤) .
ومن المتنقل المتحرك ما يتحرك بإرادته واختياره كالجن والشياطين الذين يجولون في الأرض، ويقومون بأعمال مختلفة مريدين مختارين، يستطيعون أن يحادثوا الإنسان ويواصلوه بطرق مختلفة. ويعرفون إلى الإنسان أنفسهم، ويظهرون له بمظاهر شتى من صور الإنس من رجال ونساء، أو صور الحيوانات المختلفة.