للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الإنسان فهو لا يستطيع الظهور عليهم برغبته وإرادته واختياره، وهو لا يراهم إلا إذا أرادوا ذلك، أو تجردوا من الحجاب لأمر ما فوقع بصر الإنسان على من تجرد منهم من غير قصد. اللهم إلا إذا كان السحرة الذين يستعينون ببعض أقويائهم على إخضاع ضعافهم لرغباتهم وتسلطهم. ويدل على غيبيتهم وعدم قدرة الإنسان على مشاهدتهم قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ((١) ،وقوله في الملائكة: (وأيده بجنود لم تروها ((٢) وقوله تعالى: (وأنزل جنوداً لم تروها ((٣) . وقوله: (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ((٤) .

وما دام الأمر كذلك فإن الإنسان لا يتمكن من الانتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ويعلم ما فيه بالوسائل التي وهب الله تعالى له ليستخدمها في عالم الشهادة. فكما أن أجهزة التحكم عن بعد لا تتحكم في جميع الأجهزة الكهربائية إلا فيما صنعت له، فكذلك حواس الإنسان ووسائله لا تقوى على الظهور على عالم الغيب مهما كان قريبا.

أما حظ الإنسان من العلم بعالم الغيب فلم يكن يختلف عن حظه من العلم بغيب الغيوب. فالذي يعلمه الإنسان من عالم الغيب قليل من كثير مما خلق الله تعالى غيبا: (وما يعلم جنود ربك إلا هو ((٥) . ونسبة عالم الشهادة لعالم الغيب، كنسبة الطفل الرضيع في حضن أمه إلى عالم الشهادة بأسره. فماذا يعلم ذلك الطفل الصغير من العالم المشهود الذي يعيش فيه؟ إنه لا يعلم غير أمه التي ترضعه وبعض أهل بيته علما غير متكامل، وما لا يعلم مما يحيط به في بيت أهله من أثاث وأدوات وأمتعة، يعتبر بالنسبة إليه عالما كبيرا واسعا. فكيف بما هو خارج بيت أهله من الكائنات التي لا يعلم عنها أي شيء؟!

إن حظ الإنسان من الاطلاع على عالم الغيب لوامع تلمع له من خلال عالم محيط به بعيد عن وسائل العلم التي خلقت له بعدا حسيا أو معنويا.

<<  <  ج: ص:  >  >>