ولو أخبر الثاني بما يجري خارج الحجرة، لقيل فيه إنه يتكلم عن الغيب، فالغيب هنا قد يكون قريباً جداً وقد يكون بعيداً جداً، وقد يكون قريباً قرباً يصل إليه مدى الإبصار لولا الحاجز المانع، فمن هذا معرفة نوع الجنين من قبل من استخدم الآلة الحديثة والتحاليل الدقيقة للسائل الأمينوسي لمعرفة الجنس (١) ، ومن هذا القبيل معرفة الألوان المختلفة للمبصر فإنها بالنسبة له من الأمور البدهية، ولكنها بالنسبة لمن ولد أعمى غيب نسبي، ولو أخبر المبصر عن الألوان التي يراها لكان ذلك خبراً عن المشاهدة، أما لو أخبر ذلك الضرير الذي لم يسبق أن رأى الألوان منذ ولادته لو أخبر عن الألوان، لكان ذلك إخباراً عن الغيب، فالغيبية في هذه الصور المختلفة وما شابهها لم تكن من صفات تلك الأشياء اللازمة لها، وإنما هي حالات طارئة على تلك الأشياء حتى حالت تلك الحالة بينها وبين مشاهدة من أراد رؤيتها بالعين، أو حالة طارئة على الإنسان منعته من رؤيتها.
قال صاحب تفسير المنار: "والغيب قسمان: غيب حقيقي مطلق، وهو ما غاب علمه عن جميع الخلق حتى الملائكة، وفيه يقول الله عز وجل:(قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ((٢) ، وغيب إضافي: وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض، كالذي يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر مثلاً، وأما ما يعلمه بعض البشر بتمكينهم من أسبابه، واستعمالهم لها، ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب، أو عجزهم عن استعمالها، فلا يدخل في عموم معنى الغيب الوارد في كتاب الله، وهذه الأسباب منها ما هو علمي كالدلائل العقلية والعلمية، فإن بعض علماء الرياضيات وغيرها يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس، ويضبطون ما يقع من الكسوف والخسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه بالألوف من