للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كانت نعمة السمع أعظم نعم الحواس التي من الله بها على الإنسان، فإن نعمة البصر تليها في العظمة -وإن كانت كل نعم الله عظيمة وجليلة- فالبصر به ترى الذوات ويميز به بين شخص وشخص ويفرق به بين الألوان، ويتعلم به الكتابة والقراءة، وتتعلق به حركة الحياة برمتها.

ولكن الله تعالى جعل للإبصار مدى لا تتعداه العيون، وجعل للذوات المبصرة أحجاماً لا ترى العيون ما هو أدق منها وأصغر، كما لا ترى الأبصار من الأنوار إلا بعض الألوان منها.

ولما كان الإنسان مولعاً بحب الاطلاع على ما خفي عنه من الأمور استحدث من الوسائل ما يمكنه من الاطلاع والظهور على أمور لا يصل إليها ببصره، إما لبعدها المفرط عنه، وإما لصغر حجمها ودقتها، وإما لاحتجابها بحاجز مانع عن الرؤية، وهذا كله ما كان من عالم الشهادة.

فمن تلك الوسائل: المناظير، والأجهزة المكبرة للأجرام الصغيرة، أو المقربة للبعيدة مع التكبير، أو الأجهزة المخترقة للحواجز المانعة من الرؤية والسمع، والأجهزة المميزة بين الأنوار على اختلافها.

ولقد تمكن الإنسان في بعض مجتمعاته من مشاهدة النجوم والكواكب والشموس والأقمار والمجرات بواسطة مخترعاته التي استعان بها على رؤيتها كما شاهد الأشياء الخفية المحتجبة بحجب تمنع الأعين من رؤيتها كمشاهدة الجنين، ومعرفة وضعه وجنسه، واكتشاف أمراض خفية في جسم الإنسان، وكذلك رأى بها الأشياء الدقيقة التي ما كانت العين تراها لولا استخدام الإنسان للوسائل الحديثة.

فمن اطلع وظهر على هذه الأشياء باستخدام هذه الأجهزة، فإن ما اطلع عليه منها لا يعتبر بالنسبة إليه غيباً، وإنما يعتبر غيباً بالنسبة إلى من لم يستخدم تلك الأدوات، فمثلهما في ذلك كمثل رجلين كانا في حجرة واحدة، فتح أحدهما نافذة الحجرة فرأى ما في الخارج من إنسان وسيارات، فلم يفعل الآخر ذلك، ولو أخبر الأول من في الحجرة بما شاهد لما قيل له إنه اطلع على الغيب أو علم به.

<<  <  ج: ص:  >  >>