وكما أثرت في اليهود والنصارى فقد أثرت أيضاً في المسلمين وانتحلها بعض المنتسبين للإسلام وتبنوا تلك الآراء وأخذوا بها، كما أثرت في آخرين أخذوا ببعض مناهج الفلاسفة فأحلوها محل مقابلها من الشرع، إلا أن المسلمين تميزوا بفضل الله عن غيرهم بأن دخول الفلسفة كان لبعض المنتسبين للإسلام، بحيث صاروا فرقة أو طائفة ولم يكن قولاً عاماً يأخذ به جل المسلمين فضلاً عن جميعهم، وإنما أخذ به من كان خاوياً من الوحي والنور المنزل في القرآن والسنة أو كان حظه منهما ضعيفاً وليس كاملاً.
وهؤلاء الذين أخذوا بقول الفلاسفة من المنتسبين للإسلام يمكننا أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام:
١ -أهل الفلسفة المحضة.
٢ -الباطنيون.
٣- فلاسفة الصوفية.
وقبل أن نذكر قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام نقدم بتمهيد نذكر فيه باختصار تأريخ دخول الفلسفة على المسلمين.
تمهيد: تاريخ دخول الفلسفة على المسلمين
المسلمون كانوا في سلامة وعافية من أقوال أهل الضلالة والانحراف، فقد كانوا زمن الصحابة (والتابعين مجمعين على كتاب ربهم وسنة نبيهم (ليس لهم نظر في غيرهما ولا التفات إلا إليهما، إلى أن ابتلوا بداء من قبلهم من الأمم باسم العقل، فدب فيهم الخلاف والانحراف كما دب في الذين من قبلهم من أتباع الأنبياء. وسنشير في عجالة مختصرة لتاريخ دخول الفلسفة على المسلمين.
أولاً: انتقال فلسفة اليونان إلى المناطق التي طالتها الفتوح الإسلامية
الفلسفة اليونانية كما ذكر كثير من المؤرخين تمركزت قبل الإسلام في ثلاث مناطق هي:
حران (١) : وهي بلاد الصابئة وقد التقت في تلك المدينة الفلسفة اليونانية وخاصة مذهب الفيثاغوريين (٢) والأفلاطونية المحدثة (٣) مع وثنية أهل البلاد.
ومدينة جنديسابور (٤) : حيث أسس كسرى أنوشروان فيها معهداً للدراسات الفلسفية والطبية وكان معظم معلمي ذلك المعهد من النصارى النساطرة (٥) السريان (٦) .