وأبو بشر متى بن يونس القنائي المتوفى عام ٣٢٨ هـ وتلميذه يحيى بن عدي بن زكريا المتوفى عام ٣٦٤هـ. وكل هؤلاء من النصارى إما النساطرة أو اليعاقبة. (١)
وبسبب هذه الترجمات اتصل المسلمون بتلك العلوم الفلسفية، ومما زاد في تأثير ذلك اهتمام بعض الخلفاء بهذه العلوم وتشجيعهم لها بل وتقديم المتأثرين بها وانتحال مذهبهم، كما هو الحال مع المأمون (٢) والمعتصم (٣) والواثق (٤) .
وقد كان المأمون من أكثرهم حرصاً على هذه العلوم، حتى أنه راسل ملوك الروم، وأتحفهم بالهدايا، ملتمساً منهم أن يرسلوا بما لديهم من كتب الفلاسفة، فبعثوا إليه ما كان لديهم من كتب أفلاطون (٥) وأرسطو (٦) وأبقراط (٧) وغيرهم من الفلاسفة، فاختار لها أمهر المترجمين وكلفهم إحكام ترجمتها ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعلمها.
وكما هو معلوم فإن المأمون قد انتحل مذهب المعتزلة القائم على أصول فلسفية في صفات الله (وأفعاله، كما حمل الناس بقوة السلطان على الأخذ بذلك ومن أبى فليس له إلا الإقصاء أو الحبس والأذى، وتابعه على ذلك أخوه المعتصم ثم ابنه الواثق في امتحان الناس على مذهب المعتزلة بما يسمى في التاريخ ((بفتنة القول بخلق القرآن)) (٨) أو ((محنة الإمام أحمد بن حنبل)) .
وهكذا وجدت الفلسفة اليونانية الوثنية طريقها إلى المسلمين، فزاحمت في عقول العديد منهم وقلوبهم وحي الله ونوره المتمثل في القرآن والسنة فراح بعضهم يحاول التلفيق بين الوحي المنزل وبين الفلسفة الوثنية، ومنهم من أقصى الوحي المنزل وأحل محله في جميع الأمور المتعلقة بالله (وصفاته وأفعاله قول فلاسفة اليونان.