فمن ذلك قول الكندي (١) الذي يعتبر من فلاسفة المسلمين الأوائل ومما عزي إليه من القول في ذلك: أن الله تبارك وتعالى أزلي واحد بإطلاق لا يسمح بأية كثرة، ولا تركيب، ولا ينعت ولا يتصف بأية مقولة، ولا يتحرك، وهو وحدة محضة، وعنه تصدر كل وحدة وكل ماهية، وهو الخالق والمبدأ لكل حركة (٢) .
أما الفارابي (٣) فيقول إن الله تبارك وتعالى هو واجب الوجود، وهو قائم بذاته منذ الأزل لا يعتريه تغير من حال إلى حال، وهو عقل محض، وخير محض، ومعقول محض، وعاقل محض، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، وتعينه هو تعين ذاته، وهو إذا وصف بصفات فإنها لا تدل على المعاني التي جرت العادة أنها تدل عليها، وهي صفات مجازية لا يدرك كنهها إلا بالتمثيل (٤) .
ويقول ابن سينا (٥) : إن الله تبارك وتعالى واجب الوجود، ووجوده عين ماهيته، وهو واحد لا كثرة في ذاته بوجه، ولا تصدر عنه الكثرة، وهو عقل محض لا جنس له، ولا ماهية له، ولا كيفية ولا كمية، ولا أين له، ولا متى، ولا ندَّ له، ولا شريك، ولا ضد له، ولا حد له، ولا برهان عليه، وهو يستحيل عليه التغير، وهو مبدأ كل شيء، وليس هو شيئاً من الأشياء بعده، وهو لا يتحرك وإنما يحرك غيره على طريقة تحريك المعشوق لعاشقه (٦) .
وهو يرى أن الله لا يوصف إلا بالسلب (٧) أو الإضافة (٨) أو مركب منهما (٩) .
ويتضح من ذلك أن هؤلاء المنتسبين للإسلام من الفلاسفة لم يدخل قلوبهم ولا عقولهم شيء من نور الوحي، وإنما راحوا خانعين يرددون كالببغاوات ما قال أشياخهم الفلاسفة الوثنيون، وصاروا إلى المقالة نفسها وهي: أن الله لايوصف لا بالصفات ولا بالأفعال، كما أنه لا ذات له على الحقيقة وإنما هو وجود ذهني مطلق لا وجود له خارج الذهن.