للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: نفيهم عن الله (التغير إنما يريدون به -كما ينص على ذلك ابن سينا وغيره-: أنه لا يحدث فيه أي تغير لا في الماضي ولا في المستقبل مهما كان هذا التغير قليلاً. هو قول لا يقبله العقل فضلاً عن الشرع، لأن معنى ذلك نفي لفعله وتشبيه له بالمعدوم أو الجماد، لأن المعدوم لا يتأتى منه الفعل، كما أن الجماد لا يتأتى منه فعل ولا تغير إلا أن يُغَير أما هو فلا يغير نفسه، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يريد ولا يأمر ولا ينهى ولا يدبر ولا يتصرف في شيء بل الأشياء هي التي تتصرف دونه، ولا قدرة له عليها ولا تدبير له فيها، وهي المدبرة المتصرفة بشأنها، وكل ذلك يأباه العقل، فإن الحياة والإيجاد والتصرف والتدبير الموجود في الكون، إما أن يعزى إلى فاعل مدبر متصرف ذي قدرة كاملة وإرادة تامة، وإما أن يعزى إلى جماد أو عدم، ولا شك أن العقل مضطر إلى الإقرار بوجود الخالق المتصرف ذي القدرة والإرادة والتدبير، وإلا انتفى وجود الكون كله، لأن ما فيه من خلق وإيجاد وتصرف وتدبير يدل على وجود وحياة الخالق وكمال قدرته وإرادته دلالة واضحة يضطر إليها كل عاقل، فضلاً عمن أمعن ودقق النظر، فإنه سيضطر إلى الإقرار بوجود الخالق ذي الجلال والإكرام.

وقول ابن سينا وغيره: إن الخالق لا يتغير ثم يزعمون أن الخلق صدر عنه، كما سيأتي مثل من يزعم أن جبل أحد أو أن صخرة صماء أوجدت بنفسها إنساناً أو حيواناً بدون فعل فاعل أو أن إنساناً أو حيواناً صدر عنها ووجد منها، فهذا كله مناف للعقل ويستسخفه كل ذي عقل سليم.

رابعاً: قولهم إنه لا يتحرك كما هو زعم ابن سينا هو مثل سابقه لأنه يتضمن نفي حياته، لأن فرق ما بين الحي والميت الحركة فالشيء الذي لا يتحرك هو الميت أو الجماد، والجماد ميت لا حياة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>