ولا شك أن هنا سؤالاً يطرح نفسه وهو: كيف يتأتى من ميت أو فاقد للحركة أن يعطي الحياة ويبث الحركة في غيره، هذا أمر مرفوض غير مقبول، لأنا إذا نظرنا في المصنوعات التي صنعها الإنسان فإنا نراه يصنع المصنوعات ويبث فيها الحركة بما يجعل فيها من الطاقة والقدرة على ذلك بواسطة الوقود أو الكهرباء أو نحو ذلك، والإنسان حي متحرك فأمكن له أن يوجد متحركاً بما مكنه الله فيه، فالله تبارك وتعالى أولى أن يكون حياً يفعل ما يشاء، فإن لم يكن كذلك فلا يمكن أن يوجد هذا الكون لأن الميت لا يفعل ولن يفعل شيئاً.
خامساً: قولهم إنه محرك لغيره بدون أن يتحرك، كما ادعى ذلك ابن سينا: هو وصف اضطروا إليه، حتى يثبتوا دوراً للخالق تبارك وتعالى في الكون، وهو ما يسمونه: العلة الأولى، وحتى لا يضطروا إلى القول بأن الأشياء أو المادة التي يزعمون أنها قديمة، كما سيأتي فعلت بنفسها فتكون هي الخالقة الموجدة ويكون دعوى وجود الخالق دعوى فارغة لا حاجة إليها ولا ضرورة.
ولا شك أن قولهم إنه محرك بدون أن يتحرك قول لا يستقيم لهم وهو باطل بناءً على كلامهم من عدة أوجه:
١ أن دعاويهم السابقة في نفي ذاته وصفاته وأفعاله تبطل دعواهم إنه محرك لغيره لأنه لا يمكن لشيء لاصفة له ولا ذات ولا فعل أن يكون محركاً لغيره فهذا محال.
٢ أن دعواهم إنه محرك لا يتحرك: دعوى متناقضة لأنه ما لم يكن بنفسه متحركاً فكيف يحرك غيره؟ إلا أن يكون كالصخرة التي تسقط على غيرها فتدفعها وتحركها، إلا أن ذلك ينفيه الفلاسفة لأن لازم ذلك أن لحركته علة خارجة عنه، والعله تحتاج إلى علة أخرى إلى ما لا نهاية، وهذا ما يحذره الفلاسفة ويمنعونه، فهم مضطرون إلى القول بهذه الدعوى المتناقضة حتى يدفعوا التسلسل إلى ما لا نهاية.