وبسبب أن العقل الثاني يعقل الأول، ويعقل ذاته، أو بمعنى آخر فكر في الأول وهو الله تعالى وفكر في نفسه صدر عنه بسبب ذلك شيئان، أحدهما: العقل الثالث، وثانيهما: الفلك الأقصى بمبادته وصورته ونفسه، ثم العقل الثالث بسبب عقله للأول صدر عنه عقل رابع، وبسبب عقله لذاته صدر عنه الكواكب الثابتة بمادتها وصورتها ونفسها. وهذا الرابع صدر عنه بسبب عقله للأول، صدر عنه عقل خامس، وبسبب عقله لذاته صدر عنه زحل. وهكذا تصدر العقول والكواكب إلى آخرها العقل الحادي عشر، ويسمى العقل الفعال، وآخر الكواكب والأجرام السماوية القمر، ثم عنده تتكون الموجودات الأخرى من مواد مشتركة للأجرام السماوية، وبسبب دورانها واختلاطها تكونت العناصر الأربعة، وهي: الماء والهواء والتراب والنار، ثم من العناصر الأربعة تكون سائر الموجودات من حيوان ونبات ومعدن وغير ذلك. وعنده أن العقل الفعال، وهو آخر العقول هو الذي يتولى تدبر الأمور المتعلقة بتكون المخلوقات التي تحت فلك القمر (١) .
قول ابن سينا:
قال ابن سينا بما قال به الفارابي على تفاوت في التعبير والترتيب حيث يقول: إن الواحد الأول: وهو عنده الله تبارك وتعالى لم يصدر عنه إلا واحد فاض عنه فيضاً مبايناً لذاته وهو: العقل الأول، والعقل الأول: ليس مادة ولا صورة بل هو عقل محض، فهو يعقل الأول، ويعقل ذاته، ويعقل إمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته، ويصدر عنه بسبب هذه التعقلات الثلاث ثلاثة أشياء: فعقله الأول يصدر عنه عقل تحته، وعقله لذاته: يصدر عنه صورة الفلك وهي النفس، وعقله لإمكان وجوده المندرج تحت تعقله لذاته: يصدر عنه جرم الفلك الأقصى، ثم يصدر عن كل واحدة من هذه: عقل ونفس وفلك بجرمه وصورته (٢) إلى تمام العشرة عقول وأنفس وأفلاك يصدر كل واحد منها عمن قبله، فالعقل الثاني ومعه الفلك الأقصى ونفسه، ثم يصدر عنه العقل الثالث ومعه فلك الكواكب الثوابت ونفسها.