ولا شك أن هذا الزنديق قد فاق إبليس جرأة، وتفوق على فرعون طغياناً وكفراً، فقد صرح بما لم يصرح به إبليس، وتبجح بما لم يتبجح بمثله فرعون. والعجب ليس من الكافر أن يصرح بالكفر فإن الإنسان ظلوم كفور، ولكن العجب كل العجب ممن يعتقد صلاح هؤلاء الزنادقة أو ولايتهم أو أنهم يحبون الله أو يعظمونه فإن المسلم لا يتمالك نفسه حين يسمع مثل هذا من أن يقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
ومثله في الضلالة من يُسمى ابن عامر (١) حيث يقول:
نظرت فلم أبصر سوى محض وحدة
بغير شريك قد تغطت بكثرة
تكثرت الأشياء والكل واحد
صفات وذات ضمناً في هوية
فأنت أنا لا بل أنا أنت وحدة
منزهة عن كل غير وشركة (٢)
ومثلهم قال عبد الغني النابلسي حيث يقول في شرحه لكتاب
((التحفة المرسلة في علم حقيقة الشريعة المحمدية)) : ((واعلموا أيضاً (أن ذلك الوجود) المحض الذي هو الحق تعالى هو (حقيقة جميع الموجودات) أي الماهيات المحسوسة والمعقولة وصفاتها وأحوالها من حيث هي موجودات، ولهذا سماها الموجودات (وباطنها) أي باطن جميع الموجودات حيث هي المنظور إليها ... ثم قال: إن الخالق الحق هو وجود جميع الموجودات ولا يكون هناك للموجودات وجود حادث أصلاً، وإنما هو الوجود القديم الحق ظهر بما قدره وصوره من المعدومات)) (٣) .
هذا إفكهم وما يفترون، ونسألهم عن قولهم هذا هل الله أخبرهم بذلك أم على الله يفترون؟ لا شك أنهم على الله يفترون، وسيحكم الله (بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
المطلب الرابع:الرد على فلاسفة الصوفية في دعوى وحدة الوجود.
هذا القول وهو دعوى وحدة الوجود لم يظهر صريحاً قبل ابن عربي في المسلمين، وقد تابعه عليه العديد من ملاحدة الصوفية وصارت تحوم حوله أقوالهم إشارة مرة وتلويحاً مرة وتصريحاً أخرى.