(... أُمِرْنا بالوضوء مما مست النار إما إيجاباً منسوخاً وإما استحباباً غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه منها: أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها أن رواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها أن المعنى الذي أمرنا الوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها والنار تطفأ بالماء، وهذا المعني موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتف) .
الرد الثاني: إن النسخ لا يتحقق عند العلماء إلا بشروط من أهمها تحقق تأخر الناسخ عن المنسوخ، وتعارض الناسخ مع المنسوخ، وهذان الشرطان غير متحققين في مسألتنا.
أما الشرط الأول وهو تأخر الناسخ عن المنسوخ فهو غير متحقق للآتي:
١ - لم يأت دعاة النسخ بدليل على تأخر حديث جابر بن عبد الله
(كان آخر الأمرين ...) عن حديث جابر بن سمرة وغيره (توضؤوا من لحم الإبل ...) ... فهل يثبت تأخر الناسخ عن المنسوخ بمجرد الدعوى؟ .
٢ - إن الدليل المدعى نسخه نفسه يدل على عدم صحة الدعوى، يوضح ذلك الإمام ابن قدامة في المغني (١) بقوله: