قلت: وقد سبق رد دعوى النسخ هذه في المناقشة الأولى وبيان ما أورد على هذا الحديث من إشكال.
الدليل الثاني: ما أخرجه البيهقي في سننه (١) من حديث ابن عباس مرفوعاً: (إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) .
وجه الدلالة: إن الدليل حصر نواقض الوضوء فيما يخرج من البدن نجساً ولا يوجد ذلك في أكل لحم الإبل لأنه داخل للبدن فلا يكون ناقضاً (٢) .
ونوقش الدليل بالآتي:
إن الحديث المرفوع ضعيف من ناحية السند فلا حجة فيه، ولكنه ثبت موقوفاً من قول ابن عباس (٣) وغيره.
أ - لو سلمنا جدلاً بصحة الحديث فإنه لا يدل على الدعوى لما يلي:
ب - إن حديث النقض بأكل لحم الإبل أخص منه والخاص يقدم على العام جمعاً بين الأدلة (٤) .
ج - إن حديث النقض أصح منه فيجب تقديمه عليه مع افتراض عدم إمكان الجمع (٥) .
د- إن الحديث محمول على غير لحم الإبل (٦) ، وإنما هو في ترك الوضوء مما غيرت النار، وسياق الحديث في سنن البيهقي يشير إلى ذلك إذ جاء فيه:
(... عن ابن عباس أنه ذكر عنده الوضوء من الطعام ... فقال: إنما الوضوء مما خرج وليس مما دخل) (٧) ، ولهذا قال الإمام البيهقي في سننه (٨) :
(وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس الوضوء مما خرج وليس مما دخل، وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار) .
الدليل الثالث: ما أخرجه البزار في مسنده (٩) بسنده عن أبي بكر الصديق أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يتوضأن أحدكم من طعام أكله، حلّ له أكله) (١٠) .
وجه الدلالة: إن الدليل نفى وجوب الوضوء من مطلق طعام مباح فدخل في ذلك لحم الإبل.
ونوقش الدليل بالآتي:
١ - إن الحديث ضعيف (١١) فلا حجة فيه.
٢ - إن الدليل – على فرض صحته – عام ودليل النقض بلحم الإبل خاص فيقدم الخاص على العام كما هو مقرر في الأصول.
الدليل الرابع (١٢) :
إن عدم النقض قول جمهور الصحابة والخلفاء الراشدين الذين أمرنا (١٣) باتباعهم.