ولكن مالك بن نبي المفكر الإسلامي والكاتب المعروف يرى أن مفهوم ثقافة (CULTURE) إنما هو ثمرة من ثمار عصر النهضة ظهر عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي فجر عصر جديد من الإنتاج في القيم وفي الفكر والأدب والفن وأن علينا أن نترجم ظاهرة الثقافة تلك في ضوء العقلية الأوروبية بعامة والفرنسية بخاصة، لأن الأوروبي والفرنسي بالذات في رأيه أن (المثقف) هو إنسان الأرض وأن حضارة أوروبا في جوهرها هي حضارة الزراعة، وأن عمليات الزراعة من إستنبات، وحرث، وري، وبذر، وحصد ذات دور هام في صياغة نفسية الأوروبي ورموز حضارته. مما جعله يطلقها – أي الزراعة – إطلاقاً مجازياً على الفكر حين يتعاظم إنتاجه في فترة ما، ولهذا فإن هذه الإستعارة أُطلقت على واقع إجتماعي فخلقت مفهوماً جديداً هو مفهوم الثقافة (١) .
وإذا كان علماء القرن التاسع عشر يميلون إلى ربط مفهومهم للثقافة بالمسلمات الفلسفية التي راجت في ذلك العصر حيث كانوا غالباً ما يتحدثون عن الثقافة كشيء منفصل عن الأشكال الخارجية التي تنظم هذا المفهوم. فإن علم الإجتماع الحديث يرى أن الثقافة ينبغي النظر إليها كجزء لا ينفصل عن الواقع الإجتماعي الذي يعيشه الناس في ذلك المجتمع في صوره المختلفة.