بعد هذا الإستعراض المقتضب لكلمة ثقافة (مجردة) في المفاهيم غير العربية نحاول أن نستشف معنى هذه الكلمة من المعاجم العربية للغة فنجد أنها من باب (ثقف) وقد ورد هذا الفعل في القرآن الكريم في قوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)(١) أي وجدتموهم أو أدركتموهم، وهنا ثقف من باب تعب وثقف تمكن من فهم الشيء أو العثور عليه، وبما أن العثور على الشيء تمكن منه فأصلهما واحد، وفي حديث الهجرة (هو غلام لقن ثقف) أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وقد جاء في أساس البلاغة للزمخشري، (ثقفناه في مكان كذا أي أدركناه) ، وثقفت العلم والصناعة في أقصر مدة إذا أسرعت أخذه، وثاقفه مثاقفة أي لاعبه بالسلاح (٢) وفي لسان العرب لا يختلف التعريف عن هذا المعنى (يقال ثقف الشيء) وهو سرعة التعلم، وثقفت الشيء حذقته، ويقول صاحب كتاب الرائد ثقف يثقف ثقفاً وثقافة أي صار حاذقاً ماهراً، وثقف يثقف وثقافة وثقوفة الشيء تعلمه سريعاً ووردت أيضاً ثقف يثقفُ ثُقفاً، أدركه أو وصل إليه الشيء وظفر به ومنها قوله تعالى (وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم)(٣) ومنها ثقف الرمح أي قومه وسواه أو هذبه وعلمه (٤) وإلى نفس المعنى تشير دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي (المجلد الثاني) ثقف يثقف ثقافة فطن وحذق، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه، ويؤكد صاحب المنجد في اللغة المعاني السابقة ويقول (الثقاف من النساء الفطنة، وثقف الرمح أو الولد، وقومه وسواه فتثقف أي هذبه وعلمه فتهذب وتعلم فهو مثقف وهي مثقفة)(٥) .
وبهذا المفهوم اللغوي لكلمة ثقافة. لا يبعد المعنى المتداول على الألسنة في المجتمع العربي حين يشير الناس عادة إلى معنى (الثقافة) على أنه الفهم والحذق أو الخبرة بالشيء وفهمه وإدراك معانيه.