للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد تمثل الشعور بالإستعلاء ... إستعلاء الإيمان في موقف ربعي بن عامر عندما أرسله سعد ابن أبي وقاص قبل موقعة القادسية رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرها، فدخل عليه ربعي وقد جلس رستم على سرير من ذهب في مجلس مزين بالنمارق والزرابي، وكان رستم يتلألأ في تاجه ويواقيته الثمينة. دخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة لم يزل راكبها حتى داس على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه فقالوا له ضع سلاحك فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: إئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها فقال له رستم ما جاء بكم؟ فقال إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

إن هذا الشعور بالحرية والكرامة أو لنقل إستعلاء الإيمان لا يتأتى إلا حين تكون العبودية في المجتمع لله وحده ومن ثم تكون الحاكمية فيه لله وحده فعندئذ فقط يكون هذا المجتمع متحضراً.

أما المجتمع الذي تكون الحاكمية فيه لغير الله فهو مجتمع جاهلي متخلف إذ لا حرية حقيقية ولا كرامة حقيقة للإنسان فيه، يؤكد هذا المعنى الأستاذ الدكتور/يوسف العش في بحثه عن روح الحضارة الإسلامية إذ يقول: (إن أبرز إختلاف بين مفهوم الحضارة في الفكر الإسلامي ومفهومها في الفكر الغربي يقوم على تفسير التقدم فالغرب يرى التقدم مادياً خالصاً بينما يرى الإسلام أن التقدم معنوي ومادي وأنه إنساني أصلاً وتوحيدي في أساسه، فكل تقدم في مفهوم الإسلام يجب أن يقوم على أساس التحرر من عبودية غير الله فلا يؤمن بسلطان غير سلطانه والأصل في الوحدانية هو التحرر من عبودية غير الله ومن كل سلطان غير سلطانه) (١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>