للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن العمل صورة من صور العبادة ويتضح ذلك من قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) (١) فالحضارة في التصور الإسلامي لا تقوم على مجرد العمل بل تتطلب ضرورة الإحسان في العمل، والإحسان في العمل ذو شقين. الشق الأول: هو إستخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه ويؤكد هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (٢) ولكن هل يكفي الإتقان في العمل والمهارة في أدائه لبناء حضارة حقيقية؟ الإجابة الصحيحة على هذا أن ذلك بالتأكيد لا يكفي وهنا نصل إلى الشق الثاني لمعنى الإحسان في العمل وهو التوجه بالعمل إلى الله عز وجل، فالعمل عبادة والإحسان في العمل مرتبط بمفهوم الإحسان في التصور الإسلامي الذي هو المرتبة العليا من مراتب الدين وهو أن تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فإنه يراك.

إذاً فالإنسان المتحضر والمجتمع المتحضر هو الذي يؤدي العمل بأقصى درجات المهارة والإتقان مع مراعاة الله في أدائه فالعامل المتحضر المسلم يراقب الله في عمله ويؤمن بأن الله يراه فيكون ذلك دافعاً كبيراً له لإحسان عمله والأصل في هذا هو أن الإنسان جعله الله خليفة في الأرض والعمل من أهم وسائل الإنسان لتحقيق مقتضيات الخلافة ألا وهي عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله عز وجل، ولن تكون المهارة في العمل على هذا الأساس، وتصل إلى الغاية المطلوبة إذا إنقطعت صلة الإنسان بالله عز وجل فإنه إذا حصل ذلك فلن يراعي هذا القاطع للصلة بينه وبين الله عز وجل إلا ما يراه في مصلحته الشخصية ومصالح الأولياء عليه مهما كانت وسائل المراقبة ومهما ترتب على ذلك من دمار لمصالح الآخرين) (٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>