وعلى أيِّ حالٍ فإنَّ ما منعه الزِّياديُّ غيرُ ممتنعٍ، وإنْ لم يكن الوجهَ؛ لأنَّ "كرْكرة وثفنات" قد وُصفتا بقوله: "مُلْسٍ"، فالاعتمادُ على صفتهما، وهما توطئةٌ للوصف، كما يكونُ الاسم الجامد حالاً موطِّئةً (١) .
ولهذا نظائر منها:
قوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتينِ التقتا فئةٍ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} (٢) بجر (فئة) في قراءة مجاهد وغيره (٣) ، فقد وُجِّه توجيهاتٍ منها النَّعتُ، وسوَّغ ذلك أنَّ (فئة) موصوفةٌ "فكان اعتمادُ الصِّفة في (فئتين) على صفة (فئة) ، كما تقول: مررت برجلين رجلٍ صادقٍ ورجلٍ كاذبٍ (٤) ".
ومنها رواية الجرِّ في قول كثير:
وكنتُ كذي رِجْلين رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجْلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشَلَّتِ (٥)
فقد ذكر ابن أبي الربيع أنَّ "البدل أحسنُ، والنعت جائزٌ على حسب ... :
مررت بأخيك رجلاً صالحاً" (٦) أي: على القياس على الحال الموطئة.
٦- منعُ تفريق نعتِ اسم الإشارة غير المفرد
إذا كان المنعوتُ غيرَ واحدٍ وكان النَّعتُ مختلفاً جاز في النعت أن يفرَّق، نحو: مررت برجلينِ كرِيمٍ وبخيلٍ (٧) .
واستثُني من ذلك نعتُ اسمِ الإشارة غيرِ المفرد، فلا يجوزُ: مررت بهذين الطويل والقصير، على النَّعت، وإنما يقال: مررت بهذا الطويلِ وهذا القصيرِ (٨) .
نصَّ على المنعِ سيبويه (٩) ، والزِّياديُّ (١٠) ، وغيرهما (١١) ، ولا أعلم خلافاً بين البصريينَ في ذلك.
أمَّا الكوفيون فقد نُقل عنهم منعُ نعتِ اسمِ الإشارة مطلقاً (١٢) ، وتبعهم السُّهيليُّ (١٣) .
وقد علَّل النَّحويون منعَ تفريق نعت اسم الإشارة غير المفرد بما يأتي:
أأنَّ التَّفريق يؤدِّي إلى الفَصْل بينَ اسم الإشارة ونعتهِ بالنعتِ الأول، والفصلُ ممتنعٌ لما يأتي:
١ أنَّ اسمَ الإشارة مع ما يُوصَفُ به بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فوصفُه كأحد حروفه، ولا يجوز أن يُثنَّى الاسم ويُجمعَ قبل تمامه. وهذا تعليلُ الفارسيِّ (١٤) .