هذا وردَّ الرُّماني قياسَ الضَّميرِ المجرورِ على الضَّميرِ المرفوع، فقال "ويجوز: فعلتَ أنت وزيد، ولا يجوز: مررتُ بك أنتَ وزيدٍ؛ لأنَّ (أنت) مستعارٌ للمجرور والمنصوب، فهو لا يُعْتَدُّ به، وتصير الحقيقةُ: مررتُ بك وزيدٍ، وهي لا تجوز، مع أنَّ (أنت) يُظهر حالَ الضَّمير في: فعلتَ، أتمَّ الظهور؛ إذ يُظهر حالَه في الخطاب، وفي الرفع، وليس كذلك سبيلُه مع المجرور والمنصوب؛ لأنَّه موضوعٌ للمرفوع، ومستعارٌ في هذين، واتِّصالُ المجرور أشدُّ؛ لأنه معاقبٌ للتَّنوين، ومع الاسم بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فالكلامُ ناقصٌ، وليس كذلك: فَعَلْتَ؛ لأنَّه جملةٌ، والضمير بمنزلة المنفصل من هذا الوجهِ (١) ".
والراجحُ عندي الجوازُ المطلقُ، وهو اختيارُ الشَّلوبين (٢) ، وابنِ مالك (٣) ، وأبي حيّان (٤) .
ومرجِّحاتُه ما يأتي:
١ وروده في قراءةِ حمزةَ {واتَّقوا الله الذي تَساءلونَ بِهِ والأرْحامِ}(٥) بجرِّ (الأَرْحامِ) ، عطفاً على الهاء في (به) ، وهي قراءةٌ سبعيةٌ، لا يصح الحكمُ عليها بالقبحِ. وهو ما قاله الفراء (٦) ، ولا بالضَّعف وهو قولُ الفارسي (٧) ، ولا بعدمِ الجواز، وهو حكمُ المبرد (٨) ولا تخطئتُها، وهو مذهبُ الزَّجاج (٩) . غفر الله لهم جميعاً.
وأشنعُ من هذا قولُ الرضي:"ولا نسلِّم تواترَ القراءاتِ"(١٠) .
هذا، ووجَّه ابن جنِّي القراءةَ على حذفِ الباءِ من (الأرحامِ) ؛ لتقدُّمِ ذكرِها، وشَبَّهه بالحذفِ في: بِمْن تمرُرْ أمْرُرْ (١١) .
وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ الجارَّ لا يعملُ مُضمراً من غيرِ عِوَضٍ (١٢) ، كما أنَّ المثالَ غيرُ مُشْبِهٍ للآية، فالجارُّ في المثال حُذِفَ مع مجروره، وفي الآيةِ بقي المجرورُ.
وقيل: إنَّ الواوَ في (والأرحام) للقسم، ولله أنْ يُقْسِم بما شاء من خَلْقه (١٣) .
وتُؤيِّدُ العطفَ على الهاءِ قراءةُ ابن مسعودٍ:{وبالأرحامِ}(١٤) .