للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ أنهما يمنعانِ العطفَ بالفاءِ بعد (بين) المضافةِ إلى المفرد؛ لأنَّ الفاءَ تقتضي التَّفريقَ، وهو منافٍ لما تُفهمه (بَيْنَ) من الاجتماعِ (١) .

فأما روايتُهما فذكر المبردُ أنَّها أَصَحُّ الرواياتِ (٢) ، ولكنَّ الروايةَ الأخرى نقلها علماء ثقاتٌ، فردُّها تحكُّمٌ.

وأمّا منعُ العطفِ بالفاءِ بعد (بَيْنَ) المضافِة إلى المفردِ؛ فصحيحٌ، لادَخَلَ فيه إن حُمل الكلامُ على ظاهره؛ لأنَّ (بَيْنَ) موضعٌ للتَّوسُّطِ بين اثنينِ منفصلينِ، أو اثنينِ مجتمعينِ في لفظةٍ، أو جماعةٍ مفرَّقة، أو جماعةٍ مجتمعةٍ في لفظةٍ (٣) .

فإن احتمل الكلامُ التَّأويل جازَ العطفُ عند جماعةٍ من أهل العلم، ومنه روايةُ (فحوملِ) ، ولكنهَّم اختلفوا في الَّتأويل:

فذهب الفراء إلى أنه على حذفِ مضافٍ دالٍّ على الجمعِ، والتقَّديرُ: "بين أهلِ الدَّخولِ فأهل حَوْمَل" (٤) .

وذهب ثعلبٌ والنّحاسُ إلى أنَّ (الدخول) اسمٌ يشتمل على مواضعَ، فلفظُه مفردٌ، ومعناه جمعٌ" (٥) .

وذهب هشامُ بنُ معاويةَ إلى أنَّ التَّقديرَ: ما بينَ الدّخولِ إلى حومل، فأسقط (ما) ، والفاء بمعنى (إلى) (٦) ، وأجازه أبوبكرٍ البطليوسيُّ (٧) .

وقول هشامٍ خَطَأٌ عند الفراءِ؛ لأنَّ (ما) حدٌّ بين الشَّيئين، فلا يجوزُ سقوطُها (٨) . وإنما يجوزُ عنده حذفُ (بين) بعد (ما) ، وحَمَل عليه قولَه تعالى {إنَّ الله لا يَسْتحي أنْ يَضْرِبَ مثلاً ما بعوضةً فما فوقها} (٩) ، وحكى: مُطِرْنا ما زُبالةَ فالثَّعلبيةَ، أي: ما بين زبالةَ إلى الثعلبية (١٠) .

ويرجِّحُ ما ذهب إليه ثعلبٌ والنحَّاسُ عدمُ تكلُّفِ الحذفِ، وقولُ حسَّان:

أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ ... بَيْنَ الجوابي فالبُضَيْعِ فحومَلِ (١١)

أرادَ بالجوابي جابيةَ الجولان، وهي قريةٌ هناك (١٢) ، ولكنَّه جَمَعَها؛ لاشتمالها على مواضعَ.

١٠- الفاءُ الداخلة على (إذا) الفجائية

<<  <  ج: ص:  >  >>