للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقولُ العربُ: خرجتُ فإذا زيدٌ، وقد اختلفَ العلماءُ في هذه الفاءِ على ثلاثةِ آراءٍ:

الأولُ: أنَّها زائدةٌ لازمةٌ، وهو مذهبُ المازنيِّ (١) ، وعُزي إلى الفارسيِّ (٢) ، واختاره ابن جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (٣) .

والثّاني: أنَّها دَخَلَتْ على حدِّ دخولها في جوابِ الشَّرط، وهو مذهبُ الزياديِّ (٤) ، واختاره أبو البقاءِ العُكْبَريُّ (٥) .

والثالث: أنَّها عاطفةٌ، وهو مذهبُ أبي بكر مَبْرَمَان (٦) ، واختاره ابنُ جنِّي في الخصائص (٧) ، والهروي (٨) ، والرضي (٩) ، وأبو حيان (١٠) .

وقد نُقدت هذه الأقوالُ، وبيانُ ذلك فيما يأتي:

أولاً: قولُ المازنيِّ، وقد اعتُرضَ من وجهٍ واحدٍ، وهو أنَّ الفاءَ لازمةٌ ولو كانت زائدةً لما لَزِمَتْ (١١) .

وأجابَ ابنُ جني عن هذا بأنَّ من الزِّيادة ما يكونُ لازماً في كلامهم ك (ما) في قولهم: آثراً ما (١٢) .

ثانياً: قولُ الزباديِّ، والاعتراض له من وجهين ذكرهما ابنُ جنِّي:

أحدهما: أنَّ الكلام ليس فيه معنى الشَّرطِ.

والآخر: أنَّ (إذا) على التَّسليمِ بمعنى الشَّرطِ تُغني عن الفاء، كما أغنت في قولهِ تعالى: {وإنْ تُصبْهم سيئةٌ بما قدَّ متْ أَيْديهم إذا هُمْ يَقْنَطُونَ} (١٣) .

ثالثاً: قولُ مَبْرَمانَ، والاعتراضُ له من وجهٍ واحدٍ، وهو أنّ ما بعد الفاءِ جملةٌ اسميةٌ، وما قبلها جملةٌ فعليةٌ، وحكمُ المعطوفِ أنْ يكونَ وَفْقَ المعطوفِ عليه.

وهذا الاعتراضُ ذكره ابنُ جنِّي في: سرِّ الصِّناعة (١٤) .

ودَفَعَه في الخصائصِ بأنَّ الجملة الاسميَّةَ المصَّدرةَ بظرفٍ يجوزُ عطفُها على الجملةِ الفعليةِ، لقوَّة شَبهِ الظَّرفِ بالفعلِ، ومنه قولُه تعالى: {يَوْمَ تُبلى السَّرائرُ فماله من قُوَّةٍ ولا ناصر} (١٥) .

ويتبيَّن من عَرْضِ هذه النَّقدات أنَّ رأيَ الزِّيادي رحمه الله مرجوحٌ؛ إذْ قوله لايخلو من أحد وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>