.. وقد تحدث ظروف معينة تفرضها السياقات أو المواقف المختلفة التي تستعمل فيها الكلمات، توجه الذهن بشكل لا إرادي إلى اتجاهات جديدة أحياناً، مما يوحي بخلق معان جديدة لهذه الكلمات، وذلك لما يوجد في هذه الكلمات نفسها، كما يعبر (جوزيف فندريس) Vendryes - من قابلية على التأقلم؛ أي (القدرة على اتخاذ دلالات متنوعة تبعاً للاستعمالات المختلفة التي تستخدم فيها وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات ومن ثم أداء عشرات من وظائفها بسهولة ويسر. حيث إن خلق معانٍ جديدة لها لا يقضي بالضرورة على المعاني السابقة، فيمكن لكل المعاني التي اتخذتها أن تبقى حية في اللغة. وحركة التغيرات المعنوية تسير في كل الاتجاهات حول المعنى الأساسي، ولكن كل واحد من المعاني الثانوية يمكن أن يصبح بدوره مركزاً جديداً للإشعاع المعنوي (١) .
... ولا يمنع أن يوضع أو يستعمل اللفظ الواحد للدلالة على معنيين قصداً، كما تصور أبو علي الفارسي، بل من الممكن أن يكون ذلك من قبل واضع واحد أو من قبل واضعين اثنين، يضع أحدهم لفظاً لمعنى، كما يقول السيوطي، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر (٢) ، ويستمر استعمال اللفظ بالمعنيين الموضوعين كليهما؛ فالكلمات على نحو ما تبين رموز طيعة مرنة. كما أن الكلمة ((لا تدل بنفسها على شئ، ولكن المفكر يستعملها فيصبح لها معنى، إذ يتخذها أدوات)) (٣) ونحن نعلم أن مجموعات كبيرة من مفردات اللغة توضع من قبل واضعيها قصداً للدلالة على معان اصطلاحية خاصة قد تكون متعددة، مع الإقرار أو الوعي بمعانيها اللغوية العامة، وقد يحصل التزامن في اتخاذ كلمة ما للدلالة على أكثر من معنى اصطلاحي واحد من جانب واحد، كما هو الشأن في المجامع أو المؤسسات اللغوية عامة حين تتولى لجانها الخاصة وضع المصطلحات العلمية والفنية مثلاً.