.. أما دعوى أن الاشتراك اللفظي يشيع في اللغة أو في ثقافتها الغموض والالتباس (١) . فإنها مبنية في الأصل - فيما يبدو - على شبهة قديمة مبالغ فيها، أثارها بعض الشعوبيين زراية بالعرب وبلغتهم، وتبناها (ابن درستويه) ، الذي نفى حصول الاشتراك اللفظي بالوضع وادعى ندرة المشترك في العربية. كما ألف كتاباً في إبطال الأضداد. وقد نقل عنه السيوطي فيما أورد له بهذا الشأن قوله: «وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب، وواضع اللغة - عز وجل - حكيم عليم؛ وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني؛ فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضدٌ للآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية (٢) . فرأي (ابن درستويه) هذا، كما هو واضح، مبني أولاً على كون اللغة توقيفية. كما أن فيه الكثير من المغالاة أو ضيق الأفق. وقد تحدث ابن الأنباري في كتابه «الأضداد» بما يرد عليه.
... يقول ابن الأنباري (٣) : ((ويظن أهل البدع والزَّيغ والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمتهم، وقلّة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم، وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌّ عليه، وموضح تأويله؛ فإذا اعتور اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطَب ايّهما أراد المخاطِب، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على هذا المسمّى؛ فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة: أحدهن أن كلام العرب يصحّح بعضه بعضاً، ويرتبط أوّله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفه؛ فجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادين؛ لأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد)) .