للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. ويستشهد ابن الأنباري على قوله هذا بأمثلة شعرية وقرآنية ونثرية كثيرة مما يفرض فيها السياق معنى للفظة المشتركة دون غيره، فلا يلتبس المعنى على القارئ، كقول الشاعر:

كلُّ شيء ما خلا الموت جَلَلْ

والفتى يسعى ويُلْهيه الأمَل

ويعقب على ذلك بقوله: «فدل ما تقدم قبل «جلل» ، وتأخر بعده، على أن معناه كلُّ شيء ما خلا الموت يسير، ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن الجَلَل هنا معناه عظيم.» وهذا عكس ما يفرضه السياق في قول الشاعر الآخر:

فلئن عفوتُ لأعفونْ جَللاً

ولئن سَطوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي

قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخي

فإذا رميتُ يصيبني سهمي

... فهذا الكلام يدل، كما يعقب ابن الأنباري: «على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفونّ عفواً عظيما؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير. فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين.» وهكذا يتحدد المراد من كلمة «جلل» المشتركة أو المختلفة المعنى من خلال السياق بيسر وسهولة، ولا يحدث اللبس المزعوم.

... وقد رد ضياء الدين ابن الأثير على دعوى وقوع الغموض عند استعمال المشترك اللفظي بمثل ما رد به ابن الأنباري مؤكداً على أن فائدة البيان أو وضوح الدلالة عند استعمال المشترك اللفظي يمكن استدراكها بالقرينة، بينما لا يمكن استدراك ما يمكن أن يتحقق بفضل استعماله من التحسين البلاغي أو الجمالي الفني في الكلام في حالة تركه (١) . وإذاً فالأولى استعماله والقرينة أو السياق كفيل بإزالة ما يمكن أن يحدثه هذا الاستعمال من غموض.

<<  <  ج: ص:  >  >>