.. إن للسياق أهميته ومقامه الكبير في التبادل اللغوي، وبفضله يستطيع الناس أن يستخدموا المشترك اللفظي ويتفاهموا من خلاله فيما بينهم تفاهماً واضحاً صريحاً لا غموض فيه؛ لأن مقدرة الكلمات على أداء وظيفتها - كما يصرح (ستيفن أولمان) Stephen Ullmann - «لا تتأثر بحال من الأحوال بعدد المعاني المختلفة التي قدر لها أن تحملها، بدليل أن بعض هذه الكلمات تستطيع بالفعل أن تقوم بعشرات الوظائف في سهولة ويسر)) (١) .
... والقول بأهمية السياق وبدوره في تحديد المفهوم المناسب أو المراد من بين المفاهيم الأخرى التي قد تشترك في اللفظ الواحد لا يمنع من التسليم بأن بعض المفاهيم المشتركة قد تلتبس أحياناً أو تتداخل فتؤدي إلى نوع من
الغموض. كما يحدث أن تهجر أو تتراجع بعض هذه المفاهيم أو تطغى المعاني الجديدة على المعاني القديمة منها، فتنسى القديمة ولا يتمكن المتلقي الحديث العهد من معرفتها، ولاسيما إذا كان ضئيل المحصول من مفردات اللغة، وربما قاد ذلك إلى صعوبة فهمه للنص الذي ترد فيه، خصوصاً إذا كان هذا النص شعرياً فنياً متعمق اللغة. إلا أن تعدد المعنى رغم ذلك ليس بحال من الأحوال هو المصدر الوحيد للغموض أو اللبس، فهناك كما يبين (وليم إمبسون) William Empson في كتابه
Seven Types of Ambiguity أنواع سبعة من اللبس أو ازدواج الدلالة (٢) ، وربما كان الاشتراك اللفظي من أقلها سلبية على النص الأدبي، بل ربما كان من أظهرها إيجابية في إضافة معنى جديد أو ظل موح بمعنى آخر يستخلص مباشرة من صريح العبارة، ويكون له أثر في توجيه القارئ لاتجاه أو اتجاهات مختلفة فعالة لها أهميتها في إضافة قيمة أو قيم جديدة للنص كما يحصل ذلك في التورية وفي غيرها من الأنواع والأساليب البلاغية.