للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. يتبين مما سبق ذكره أن المشترك اللفظي قد أتاح فرصاً متنوعة لكثير من الأدباء والشعراء لإشباع هواياتهم في التحسين اللفظي وفي تطلعاتهم الفنية لاستغلال القيم والإمكانيات التعبيرية لأصوات اللغة بالإضافة إلى الطاقات المعنوية للكلمات، وكان من بين هؤلاء الشاعران المشهوران المتنبي وأبو حية النميري، اللذان كانا مولعين بالجناس كما يقول القيرواني (١) ، كما كان منهم أبو تمام الذي اشتهر بمجازاته واستعاراته اللفظية الغريبة الكثيرة. وهكذا فقد كان لتوافر هذا المشترك فضل في كثير مما أنتجه هؤلاء الشعراء وغيرهم من تجارب وأشكال تعبيرية فنية رائعة تجلت فيها براعة الفنان العربي وذكاؤه في استثمار مخزون اللغة من هذا المشترك وطاقاته التعبيرية والإشارية وتطويعها لفنه ولما كانت تتطلبه ثقافة العصر من هذا الفن.

... وإذا كانت للمشترك اللفظي أهميته بالنسبة للشعراء القدامى أو بالنسبة للشعر التقليدي عامة، فلاشك أن شأنه يزداد في اعتبار نظريات الشعر الحديث. حيث تنادي هذه النظريات بتعميق الرؤية وتعددية المعنى وبعد الدلالة وكثافة الصورة في العبارة الشعرية، وتعتبر ((الشعر استكشافاً دائماً لعالم الكلمة، واستكشافاً دائماً للوجود عن طريق الكلمة)) (٢) وتعد ((أولى مميزات الشعر هي استثمار خصائص اللغة بوصفها مادة بنائية)) (٣) . وبذلك تفترض من الشاعر المبدع أن يسعى بكل ما لديه من إمكانيات لاستغلال كل ما يمكن أن تحمله الكلمات من دلالات وكل ما تكمن فيها من طاقات معنوية وإيحائية. ليجعل من تجربته الشعرية نسيجاً فنياً ثرياً مفعماً بالرؤى والشحنات الانفعالية المؤثرة، تمتزج فيه التوقعات والانفعالية بالمفاجآت وخيبة الظن كما يعبر الناقد الإنكليزي (رتشاردز Richards I.A. .) (٤) ومن هنا تأتي أهمية المشترك اللفظي كرافد يمد الشاعر الحديث بما يمكنه من فنه ويثري تجربته.

<<  <  ج: ص:  >  >>