.. والحقيقة أن الشاعر سواء أكان قديماً أم حديثاً لا يكتفي باستغلال ما تحمله الألفاظ من دلالات موروثة. وإنما يسعى لشحنها بدلالات جديدة، وربما ألغى أو تجاهل تلك الدلالات القديمة كلها وخلق لألفاظه المختارة معاني ومسميات لا عهد لأصحاب اللغة الآخرين بها، مستفيداً في كل ذلك مما يتيحه المجاز ويحققه له من إمكانيات لغوية للتعدد الدلالي المستمر للفظ أو التركيب اللغوي الواحد حيث يصبح المجاز في العبارة الشعرية وسيلة أساسية للشاعر للاختراق والنفاذ إلى عوالم الكون اللامحدودة، أو أداته للانتقال والامتداد والاتساع والعبور باللفظ من معناه الحقيقي ودلالاته المعتادة المألوفة. كما هو في تصور علماء البلاغة العرب القدامى (١) . وحيث يكون هذا المجاز، كما يعبر النقاد المعاصرون وسيلة للعدول وإعادة البناء والانزياح باللفظة من وظيفتها المرجعية ودلالتها الذاتية الوضعية السابقة إلى دلالات أخرى قد يصعب حصرها (٢) . وبهذه الدلالات الجديدة المتنامية تتولد المفاجآت وينشأ الإدهاش والإبهار والغموض والإبداع في الشعر لغة ومعنى وصورة، وتتبلور وتتميز لغة الشاعر الخاصة. كما تتوسع وتتنامى في الوقت نفسه طاقات المشترك اللفظي كماً ونوعاً. ويصبح الشاعر مستثمراً لإمكانيات المشترك اللفظي المتاحة، ومجدداً ومطوراً لهذه الإمكانيات في آن واحد وكان المشترك اللفظي وما ينتج عن استعماله أحياناً من تباين في تحديد المفاهيم وإدراك المقاصد والأهداف في التوريات والاستعارات والتعميات والمغالطات المعنوية أو في النصوص الأخرى ذات المعاني الدقيقة المعمقة، كان سبباً لاختلاف النقاد واللغويين في فهم كثير من النصوص الشعرية وعاملاً في طرح التفسيرات المتعددة وإثارة الكثير من الخلافات والمناقشات الأدبية المثرية بشأنها أحياناً (٣) ، وربما كان ذلك من أسباب الاتجاه لتفسير النصوص وشرح المعلقات والقصائد ثم تعدد شروحها وعقد الدراسات