للنون هو الذي حال بين النون وفنائها في غيرها من الأصوات التي تجاورها، فحرصوا لذلك على المبالغة في الجهر بصويتها عند مجاورتها أصوات الفم احترازا من أن يقرأ القرآن الكريم كما يتكلم الناس في أحاديثهم الدارجة. لأن النون في تلك الأحاديث مالت فيما يظهر إلى الفناء في غيرها من الأصوات دون أن تخلف أية إشارة تنبىء عنها. وليس صويت الغنة المصاحب للنون الساكنة إلا إطالة لصوت النون مع تردد موسيقي محبب فيها كما سنرى ذلك في موضعه. فالزمن الذي يستغرقه النطق بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة هو تقريبا ضعف ما تحتاج إليه النون المظهرة، وليس هذا إلا للحيلولة بين صوت النون الساكنة والفناء في غيرها. ندرك ذلك ونتبينه عند مقارنة نطق النون الساكنة في الكلمات التالية:
من نور (النور ٤٠) وإن أحد (التوبة ٦)
من مال (المؤمنون ٥٥) من هاجر (الحشر ٩)
ينبت (النحل ١١) من عمل (النحل ٩٧)
من وال (الرعد ١١) من حاد (المجادلة ٢٢)
ومن يقل (الأنبياء ٢٩) من خيل (الحشر ٦)
إن جاءكم (الحجرات ٦) من غل (الأعراف ٤٣)
حيث نلاحظ أن إطالة التصويت بصويت الغنة المصاحب للنون الساكنة المدغمة أو المخفاة عند مجاورتها لأصوات المجموعة الأولى وتقصيره عند مجاورتها لأصوات الحلق في المجموعة الثانية إنما جاء نتيجة الفرق في أداء المدة الزمنية بين النون المظهرة والنون الساكنة المدغمة أو المخفاة المصاحبة لصويت الغنة الظاهر من ناحية، وتطور صوت النون وميله إلى مخرج الصوت المجاور، أو تقريبه إلى صوت بينه وبين النون علاقة ومؤاخاة من ناحية أخرى (١) .