فالألفاظ التي جاء تصغيرها مخالفاً لأوزان التصغير الثلاثة لغات وردت عن العرب وسمعت عنهم، لكنها لم تكن شائعة ومستعملة من غالبية العرب، والقواعد إنما تستنبط وتؤخذ من الغالب الشائع إضافة إلى ذلك أن الذوق ووضوح المعنى هو المعول عليه فليس كل إسم يصغر، ولا كل صيغة للتصغير يقاس عليها فقد ذكر سيبويه وغيره من العلماء أن هنالك أسماءً وأدوات لا تحقر، يقول:((مستعرضاً ما يصغر وما لا يصغر موضحاً الأسباب والموانع التي تمنع من التصغير معتمداً في ذلك كله على السماع محكماً الذوق وإفادة المعنى ((ولا تحقر عند)) ، كما تحقر ((قبل وبعد)) ، ونحوهما؛ لأنك إذا قلت: عند، فقد قللت ما بينهما، وليس يراد من التقليل (١) . أقل من ذا)) ويقول:((ولا يحقر أين، ولا متى، ولا كيف، ونحوهن)) ، من قبل: إن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت ... )) (٢) .
فالمعول عليه في التصغير إفادة المعنى فإذا كان المعنى لا يأتي ولا يتحقق فحينئذ لا جدوى من تصغيره فكلمة ((بعض)) تدل بنفسها على التصغير والتقليل، فلا حاجة إذاً إلى تصغيرها كما أن ((كل)) تدل على العموم والشمول والكثرة، فصارت كجمع الكثرة (٣) . يقول ابن عصفور ((وإنّما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير، وأيضاً فإنّها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً)) (٤) .
فالشروط التي وضعها النحاة لتصغير الإسم تدل على مصاحبة الذوق للقاعدة، فالقاعدة لابد أن يحكمها الذوق فقد ذكروا أن يكون الإسم المراد تصغيره خالياً من صيغ التصغير وشبهها، فلا يصغر نحو كميت ((لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى)) (٥) . كما بينوا أن الإسم المصغر لابد أن يكون قابلاً لصيغة التصغير، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ولا الأنبياء ولا جمع الكثرة)) (٦) .