.. وعلى الرغم من ذلك فهي لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث لتجلية بعض الجوانب، وتغطية بعض المساحات التي لا تزال بكراً لم ترُدْها الأقدام، ولم تطأها المناسم.
... ومن تلك المساحات مقدمة القصيدة عند حسان بن ثابت، رضي الله عنه. فعلى الرغم من كثرة ما كتب حول حسان، فإن حظ الدراسة الفنية منه قليل، وأقل هذا القليل ما كتب حول مقدمة القصيدة عنده.
... ولا شك أن مقدمة القصيدة عند حسان تشكل علامة بارزة في مسيرة مقدمة القصيدة العربية، ولذلك كانت دراستها أمراً ضرورياً للمهتمين بتتبع مسيرة المقدمة التقليدية للقصيدة العربية وتطورها. ومع ذلك لم يلتفت الدارسون إليها، بل رأيتهم يتنكبون جادتها، ويزورّون عنها.
... وقدخصصت هذا البحث لدراسة مقدمة القصيدة الجاهلية عند حسان، على أمل أن أفرد مقدمة القصيدة الإسلامية عنده ببحث آخر، ليقيني أن مقدمات قصائده الإسلامية، يجب أن تدرس مستقلة عن مقدمات قصائده الجاهلية؛ نظراً للاختلاف بين هذه وتلك في الغاية، والتصور؛ والمنطلق؛ ولأنها تشكل خطوة متقدمة على طريق تطوّر مقدمة القصيدة العربية.
... واعتمدت في بحثي هذا على طبعتين من طبعات ديوان حسان: الطبعة التي حققها الدكتور سيد حنفي حسنين، وصدرت عن دار المعارف بمصر سنة ١٩٧٤م، والطبعة التي حققها الدكتور وليد عرفات وصدرت عن دار صادر ببيروت سنة ١٩٧٤م أيضاً؛ لأنهما أتم الطبعات، وأحسنها ضبطاً، ولأن كلاً منهما تتمم الأخرى.
واستبعد البحث مقدمة قصيدته الهمزية، لأنها وإن نص القدماء على أنها جاهلية، إلا أن منهم من شكك في بعض أبياتها (١) :
... ويدور البحث حول ثلاثة محاور:
... الأول: قصائد حسان التي خلت من المقدمات.
... والثاني: صور مقدمات قصائده الجاهلية.
... والثالث: مظاهر التطوّر في مقدماته الجاهلية.
المحور الأول: قصائد حسان الجاهلية التي خلت من المقدمات