للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. يضم ديوان حسان مائة وخمساً وعشرين قصيدة، إذا أخذنا بالرأي القائل إن القصيدة تتألف من سبعة أبيات على الأقل (٢) . ومن هذه القصائد خمس وثلاثون شكك فيها الباحثون، وتسعون صححوا نسبتها إليه. والقصائد صحيحة النسبة إليه منها خمس وسبعون إسلامية، وخمس عشرة جاهلية. ومن قصائده الجاهلية إحدى عشرة قصيدة ذات مقدمة، وأربع هجم فيها على موضوعه مباشرة، ولم يمهد لها بأية مقدمة. وتشكل قصائده الخالية من المقدمات ٢٦.٦٦% من قصائده الجاهلية.

وقد عرف الشعر العربي القديم ظاهرةالشروع في القصيدة دون تمهيد، إلى درجة جذبت انتباه ابن رشيق (ت ٤٥٦هـ) ، فسجلها قائلاً: ((ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطاً من النسيب، بل يهجم على ما يريده مكافحة، ويتناوله مصافحة)) (٣)

والمتأمل في تلك القصائد يجد أن حساناً قالها في مواقف تعرض فيها لاستثارات شعورية، وجد نفسه فيها مضطراً للرّد الفوري لينفس عن مشاعره المتوترة، أو عن انفعالات نفسه الثائرة، التي لم تتح له فرصة التمهيد لتجربته بمقدمة طللية، أو غزلية، أو سوى ذلك؛ فأقبل على قصيدته دون مقدمة، وباشر موضوعه دون تمهيد.

... فاثنتان من قصائده التي خلت من المقدمات جاءتا رداً على استثارتين مبيّتتين، فوجئ بهما حسان: أما الأولى فكانت ردّاً على تعيير زوجه (عمرة) (٤) له بأخواله، والفخر عليه بالأوس. وكان حسان يحب أخواله، ويغضب لهم، فطلقها، وقال القصيدة يفتخر، ومطلعها (٥) :

أَجْمَعَتْ عَمْرَةُ صَرْماً فَابْتَكِرْ

إِنما يُدْهِنُ لِلْقَلْبِ الحَصِرْ

لاَ يَكُنْ حُبُّكِ هَذا ظَاهِراً

ليسَ هَذا مِنْكِ يا عمرُ بسرْ

سَألتْ حسانَ من أخواله؟

إنّما يُسْألُ بالشَّيْءِ الغُمُر

ومن الواضح أنه قالها في سورة غضبه الذي أدى به إلى طلاق زوجه على الرغم من أن كلاً منهما كان محباً لصاحبه، كما يقول الخبر (٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>