.. أما ضياع كثير من نصوص الشعر الجاهلي ((في أثناء رحلته من الجاهلية إلى عصر التدوين)) (٣٣) التي اتكأ عليها الدكتور عطوان في ما توصل إليه من أن ((كثيراً من القصائد سقطت مقدماتها وليس في ذلك شك)) (٣٤) ، فهي حقيقة تاريخية لا يختلف عليها اثنان، وقد سبق أن نبه عليها محمد بن سلام (ت ٢٣١هـ) حين بيّن أنّ العرب لما راجعوا رواية الشعر ((لم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك، بالموت والقتل، فحفظوا أقلّ ذلك، وذهب عليهم فيه كثير)) (٣٥) . كما أثارها أبو عمرو بن العلاء (ت١٥٤هـ /٧٧٠م) حين قال: ((ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه، ولو جاءَكم وافراً لجاءَكم علم وشعر كثير)) (٣٦) .
... ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابة هنا هو: هل الإقرار بضياع ما ضاع من نصوص الشعر الجاهلي يمكن أن يتخذ ذريعة للقول بأن كثيراً من القصائد التي خلت من المقدمات قد سقطت مقدماتها، أو أنها جزء من ذلك التراث الشعري الذي ضاع، هكذا على الإطلاق دون دليل مادي ملموس؟!
ثم كيف لنا أن نمضي مع الدكتور عطوان في اتهام رواية الأصمعي وتوثيق رواية أبي زيد ابن أبي الخطاب القرشي؟
مع أن القرشي هذا مثار لخلاف عريض حول حقيقة اسمه؛ وحول حياته ووفاته وحول نسبة مجموعة (جمهرة أشعار العرب) إليه.
... فمن قائل إنه عاش في أواخر القرن الثالث أو أوائل الرابع (٣٧) ، ومن قائل إنه عاش قبل منتصف القرن الخامس الهجري (٣٨) ، إلى قائل إنه توفى سنة (١٧٠هـ)(٣٩) .
... أما اسمه ففيه من الاضطراب الكثير: فهو تارة أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، وتارة محمد بن أبي الخطاب من غير كنية، ومن غير نسبة بعد الاسم وتارة ابن أبي الخطاب، وتارة محمد بن أيوب العزيزي ثم العمري (٤٠) .