للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتخلو هذه المقدمة الغزلية من عنصر مهم من عناصر المقدمات الغزلية التقليدية، وهو وصف منظر الوداع والفراق المألوف. وتقتصر على وصف بعض مظاهر جمال صاحبته، ووصف عواطفه تجاهها. ففي الجانب الأول اكتفى بالحديث عن شعرها الكثيف الطويل، ووجهها الذي يشبه وجه غزال غذي أطيب غذاء. وفي الجانب الثاني ذكر سهده ودموعه التي لا تكف عن الانحدار، ولكنه مزج ذلك ببعض مظاهر الطبيعة التي جعلها إطاراً أو خلفية للمشهد العاطفي فاختار لسهده ودموعه وقتا نام فيه الناس، وسكن فيه الكون، واختار للشعر المغدودن لوحة تبدو فيها الأرض خصبة ممرعة؛ واختار لجمال الوجه صورة لا أبهى ولا أسنى هي وجه الغزال الربيب الذي يقصد الأماكن المرتفعة التي لا تطأها الأقدام فيرتعي بها، حتى إذا خيم الليل أوى إلى كناسه الذي اتخذه في شجر العضاه؛ ليتعانق جمال الإنسان وجمال الطبيعة في تشكيل اللوحة الغزلية.

... والثانية قصيدته العينية التي مطلعها (٨٦) :

بانَتْ لَميسُ بِحبْلٍ منكَ أَقْطَاعِ

واحْتَلَّت الغَمْرَ ترْعَى دَارَ أَشْرَاعِ

... ومقدمتها الغزلية قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أبيات اقتصر فيها على الحديث عن هجر صاحبته (لميس) ، وانقطاع حبال وصالها، وارتحالها إلى مكان كثير المياه، ذي مراع خصبة، ومجاورتها في ديار بني عمرو بن نصر، وهم قوم ذوو عِزّ ومنعة، يحمون أرضاً ممرعة، ثم وصف حالته النفسية عندما تحركت المراكب بصاحبته في الفجر إذ انهمرت دموعه كأنها ماء يفيض من دلاء كبيرة ممتلئة. قال:

وأصْبَحَتْ في بني نَصْر مُجَاورَةً

ترْعَى الأَبَاطِحَ في عزّ وإِمْراعِ

كأنَّ عَيْنَيَّ إذْ وَلَّتْ حُمُولُهُمُ

في الفَجْرِ فَيْضُ غُروبٍ ذاتِ إِتْراعِ

ومن الواضح أنه مسّ موقف الوداع مساً خفيفاً، فاكتفى بذكر تحرك موكب الرحلة، وتحديد زمنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>