للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وفي اللوحة الرابعة لوحة الناقة يهيب الشاعر بنفسه أن يتناسى ذكر شعثاء التي حققت مآرب الواشين، فقطعت حبل الوصال، بالارتحال على ظهر ناقة ضخمة قوية، طويلة، وافرة النشاط، واسعة الخطو، عقيم، لا تكف عن تحريك رأسها وعنقها من فرط نشاطها؛ ولا يقلل من سرعتها، أو يحد من نشاطها وحيويتها اشتداد الحر، وارتفاع السراب وقت الظهيرة حتى يغطي قمم الآكام يقول حسان (١٠٣) :

دَعْ ذِكْرَهَا وَانْمِ إِلى جَسْرة

جُلْذِيّةٍ ذَاتِ مَرَاحٍ عَقَامْ

دِفِقَّةِ المِشْيَةِ زَيَّافَةٍ

تَهْوِي خَنُوفَاً في فُضُولِ الزِّمَامْ

تَحْسِبُها مَجْنُونةً تَغْتَلِي

إِذ لَفَّعَ الآلُ رُءوسَ الأَكَامْ

... وقد يقول قائل: إن وصف الناقة ليس جزءاً من المقدمة، وإنّ مقدمة القصيدة قد انتهت بنهاية اللوحة الثالثة، وإن عبارة (دع ذا) التي استهل وصف الناقة دليل على أنه فرغ من المقدمة ودلف إلى غرضه، ذلك لأن العرف الشعري عند العرب قد جرى على أن يقولوا عند فراغهم من المقدمة: ((دع ذا، وعدّ عن ذا، ويأخذون فيما يريدون)) (١٠٤) .

... والرد على ذلك أن أغلب النقاد يعدون وصف الناقة والرحلة عناصر أساسية من المقدمة التقليدية.

ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور حسين عطوان الذي يقول معلقاً على ما ظنه مقدمة لقصيدة النابغة الذبياني الرائية السابقة الذكر: ((ومن الطريف أن مقدمتها التي وصف فيها الأطلال، وصاحبته، ورحلته في الصحراء، وناقته، ومنظراً من مناظر الصيد تبلغ ما يقرب من خمسين بيتاً)) (١٠٥) . وواضح أنه يدرج وصف الرحلة في الصحراء، والناقة، في صميم المقدمة التقليدية، بل يضيف إلى المقدمة لوحة أخرى هي وصف مناظر الصيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>