مِنْ بيْتِ رَأْسٍ عُتِّقَتْ في الخِتَامْ
عَتَّقَهَا دَهْرَاً رَجَا بِرِّهَا
يُولي عَلَيْها فَرْطَ عَامٍ فَعَامْ
تَدِبُّ في الجِسْمِ دَبِيبَاً كَمَا
دَبَّ دَبىً وَسْطَ رِقاقٍ هَيَامْ
مِنْ خَمْر بَيْسَانَ يُغَالَى بِها
دِرْيَاقَةٌ تُسْرِعُ فَتْرَ العِظَامْ
يَسْعَى بِها أَحمَرُ ذُو بُرْنُسٍ
مُخْتَلَقُ الذِّفَرَى شّدَيدُ الحِزَامْ
أَرْوَعُ لِلدِّعْوَةِ مُسْتَعْجِلٌ
لَمْ يَثْنِهِ الشَّأْنُ خَفِيفُ القِيامْ
وصورة الساقي الرشيق في مقدمة حسان هذه، تذكرنا بصورته في مقدمة قصيدة الأعشى السابقة الذكر؛ وإنْ كان الأعشى قد أضاف إلى وصف الخمرة والساقي، وصف الكؤوس، والأباريق، والورود، والرياحين، والمغنى، وآلات الطرب والندماء والظرفاء.
... ومهما يكن من أمر، فإن دراسة مقدمات حسان الجاهلية، تكشف عن حقيقة أن الأعشى، وعمرو بن كلثوم إنْ صح أنه استهل معلقته بوصف الخمر (١٠٠) ليسا الشاعرين الجاهليين اللذين استهلا بعض قصائدهما بوصف الخمر فحسب، بل يشاركهما في ذلك حسان.
... وبذلك يتبين أنه لا مسوّغ لقول الدكتور حسين عطوان ((إن الشعر الجاهلي كله فيما نعلم يخلو خلوا تاماً من قصائد بل من قصيدة واحدة افتتحت بوصف الخمر)) (١٠١) .
... علماً بأن الدكتور عطوان عاد فاعترف بأنّ للأعشى مقدمة خمرية، فقال في الصفحة التي ورد فيها قوله السابق: ((آية ذلك أن ديوان الأعشى ... لا نظفر فيه بمقدمة خمرية إلا مقدمة قصيدته الخامسة والخمسين)) (١٠٢) . وفي الوقت نفسه يغفل الدكتور عطوان لوحة حسان الخمرية الآنفة الذكر.