للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وتخلو لوحاته الغزلية من وصف مشاهد الوداع والرحيل، وما تثيره في نفس الشاعر من حزن ولوعة، وحنين وأسى، كما تخلو مما نجده عند سابقيه من حرص على تبيان محاسن صواحبهم، وتتبعها غير تاركين شيئاً منها. فحسان كما يبدو في لوحاته الغزلية ليس من شعراء الغزل الذين يشفُّهم الهوى، فيذوبون شوقاً ولوعة. وربما يؤيد سائر شعره ما نذهب إليه، فهو يكثر من الفخر بقومه وبنفسه أمام المرأة، بل يصرح بأنه لن يخاطر أو يغامر في سبيل زيارتها إذا ما نأت دارها، وشط مزارها، ويعلن أنه سيكتفي بنظم الشعر وإهدائه لها، وينتظر لقاءَها في الموسم القادم. انظر إلى قوله: (١٣٢)

سَأُهْدِي إِلَيْها كُلَّ عَامٍ قَصِيدَةً

وَأَقْعد مَكْفِيَّاً بِيَثْرِبَ مُكْرَمَا

ثانياً العناصر الثابتة:

... وهي العناصر التي تشبث بها حسان، فظهرت في جميع لوحاته، وهي قليلة إذا ما قيست بالعناصر المتغيرة. وقد يحمل هذا إشارة أخرى لنزوع حسان إلى التحرر من المقومات الموروثة للمقدمة التقليدية. والعناصر الثابتة في لوحات حسان الطللية ثلاثة، هي: مساءَلة الطلل عن أهله الراحلين، واسترجاع ذكرياته به، ووصف ما يحف به من وحشة وإقفار.

... وأما لوحاته الغزلية، فهو لم يتمسك فيها إلا بعنصر ثابت واحد، وهو الحديث عن عواطفه، وما يحس به من وجد، وسهد، وحنين تجاه صاحبته. وتمسكه بهذا العنصر ليس تاماً. فهو في لوحته الغزلية التي تضمنتها مقدمة قصيدته النونية، التي مطلعها: (١٣٣) .

لِمَنِ الدَّارُ أَوْحَشَتْ بِمَعَانِ

بَيْنَ أَعْلَى اليَرْموكِ فَالخَمَّانِ

لم يكشف عن شيء من عواطفه.

... وليس في لوحاته الظعْنيَّة أيّ عنصر ثابت. وأما لوحته الخمرية فيحتفظ فيها بصورة الساقي الرشيق، فحسب. وأما في لوحة الطيف فيتمسك بقدر أكبر من العناصر الموروثة، مثل: التعجب من اهتداء الطيف إليه، وقطع المفاوز المهلكة، وزيارته في صحراء نائية.

<<  <  ج: ص:  >  >>