.. وهو لا يذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال كما استقر في العرف الجاهلي، وبالتالي تخلو لوحاته الطللية من تشبيه الرمال التي تسفيها الرياح بالدقيق المتناثر أو خلافه، وهو تشبيه لا يكاد يغيب عن لوحة الطلل في المقدمات الجاهلية التقليدية. وفي اللوحة الوحيدة التي ذكر فيها الرياح لم يعرض للرمال التي تسفيها وإنما عرض لأوراق الشجر اليابسة التي تعصف بها،
ويكاد حسان أن يتخلى عن عنصر مهم آخر، بل مقوم رئيس من مقومات المقدمة الطللية، وهو البكاء على الطلل، فلم يقف حسان بالطلل باكياً إلا في لوحة واحدة، وبكاؤه لم يكن على أحبته الظاعنين، بل على أمجاد الغساسنة وعزِّهم.
... وكان الدكتور يوسف خليف قد لاحظ اختفاء عنصر البكاء على الأطلال في مقدمات زهير ومدرسته، وأن زهيراً ((يقف بالأطلال هادئاً رزيناً، يرى الحب وفاءً صامتاً، وأحزاناً تطويها الأعماق، لا دموعاً تفيض من العينين حتى تبلّ محامل السيف)) (١٣١) . كما هو شأن امرئ القيس.
... ومعنى ذلك أن حساناً قد سار على نهج زهير ومدرسته لافي التخلي عن البكاء فحسب، بل في اختفاء الرفيقين عن مسرح الطلل. بل تجاوز زهيراً ومدرسته فتخلى عن استيقاف الصحب، ووصف ما حل بالأطلال من حيوانات الصحراء، وعن ذكر ما ذرته الرياح على الطلل من رمال.