.. يتبين من العرض السابق أن حساناً قد تناول في مقدماته الجاهلية معظم الاتجاهات التقليدية للمقدمات، ما كان منها عاماً، أو فرعياً أو ثانوياً. ولكن من الملاحظ أنه لم يستهل أيّاً من قصائده ببكاء الشباب، أو الفروسية أو الشكوى أو الحكمة.
... كما يلاحظ أن اللوحات الغزلية في مقدماته، تفوق اللوحات الطللية عدداً، وهو في ذلك يخالف الرأي السائد الذي يذهب إلى أن المقدمة الطللية ((أكثر المقدمات انتشاراً في صدور قصائد الشعراء الجاهليين)) (١٢٩) .
... والمتأمل في المقومات والعناصر التي اشتملت عليها مقدمات حسان الجاهلية يتبين أنه قد تخلى عن بعض العناصر التقليدية تخلياً تاماً. كما يتبين أن مقدماته تتكون من: عناصر ثابتة، وعناصر متغيرة، وعناصر جديدة.
... فثمة عناصر ومقومات أبقى حسان عليها، والتزم بها في جميع مقدماته، وحافظ عليها، وحذا فيها حذو سابقيه.
وثمة عناصر لم يلتزم بها التزاماً تاماً، ولم يتخلَّ عنها تخلياً كلياً، ولكن ظهرت في بعض مقدماته، واختفت في بعضها الآخر.
... وثمة عناصر جديدة، وهي ضربان: ضرب انحرف به حسان عن مساره السابق، وضرب من ابتكار حسان وسبقه، وسألقي الضوء على كلّ من هذه الاتجاهات في مقدمات حسان الجاهلية مركّزاً على لوحاته الغزلية والطللية والظعنية، وهي اللوحات الرئيسة في مقدماته الجاهلية.
أولاً العناصر التي تخلى عنها:
... يلاحظ الدارس أن لوحات حسان الجاهلية تخلو من بعض العناصر والتقاليد التي تعد من المقومات الرئيسة للمقدمات الطللية والغزلية والظعنية، وفي ذلك دليل على رغبة حسان في التخلص من بعض قيودها الموروثة.
... فلوحاته الطللية تخلو من استيقاف الصحب، ومن ظهور الرفيقين معه على المسرح الطللي، يخاطبهما ويطلب إليهما إسعاده بالبكاء. كما تخلو من وصف ما حل بالأطلال من حيوانات برية كالظباء، والنعام، وبقر الوحش وحمره وأتنه.