للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وكانت مقدمة القصيدة قد انتهت إلى حسان وطبقته وهي تحمل كثيراً من بصمات مدرسة الصنعة وطوابعها التي تتمثل في عدد من التقاليد، من: ((عناية بالتفاصيل والجزئيات، وجنوح إلى التعبير بالصورة، وحرص على استكمال عناصرها، وخطوطها، وألوانها، ووضع اللمسات الفنية الأخيرة عليها، واهتمام بانتقاء الألفاظ واختيارها، وإحكام لصياغة العبارات، وبراعة في توليد المعاني الدقيقة، والغوص خلف الأفكار العميقة)) (١٣٥) .

... والمتأمل في مقدمات حسان الجاهلية يجد أنه لم يحرص على هذا الإرث الفني، بل تمرد عليه، في أكثر مقدماته؛ فمال إلى التركيز والتكثيف بدل العناية بالجزئيات والتفاصيل، والألوان، والظلال. ويبدو ذلك واضحاً في قصيدته اللامية التي مطلعها: (١٣٦) .

أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدَّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ

بَيْن الجَوَابِي فَالبُضَيعِِ فَحَوْمَلِ

وربما تبدو هذه الظاهرة أوضح ما تبدو (١٣٧) في قصيدته العينية التي مطلعها (١٣٨) :

بَانَتْ لَمِيْسُ بِحَبْلٍ مِنْكَ أَقْطَاعِ

واحْتَلَّتِ الغَمْرَ تَرْعَى دَارَ أشْرَاعِ

كما تظهر بوضوح في لوحة الطلل من مقدمة قصيدته الميمية المقيدة التي مطلعها: (١٣٩) .

مَا هَاجَ حَسَّانَ رُسُومُ المَقَامْ

وَمَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبْنَى الخِيَامْ

حيث تصل هذه الظاهرة إلى أوجها.

... ويلمس المتأمل في مقدمات حسان الجاهلية ميل حسان الواضح إلى الاقتصاد في التعبير بالصورة الشعرية في أكثر مقدماته، حتى ليمكن القول إن ذلك من الملامح المميزة للمقدمة عنده، بخلاف زهير ومدرسته. وتكفي هنا الإشارة إلى قصائده: الميمية، واللامية، والطائية، حيث جرى الحديث بالتفصيل عن ذلك في أثناء عرض صور مقدماته.

<<  <  ج: ص:  >  >>